responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 430
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ نَفْيَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ مَنْ يَعْلَمُ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَعْلَمُ، أَتْبَعَهُ بِأَنْ أَمَرَ رَسُولَهُ بِأَنْ يُخَاطِبَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْكَلَامِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: قُلْ يَا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْ يَضُمُّوا إِلَى الْإِيمَانِ التَّقْوَى، وَهَذَا مِنْ أَوَّلِ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَبْقَى مَعَ الْمَعْصِيَةِ، قَالَ الْقَاضِي: أَمَرَهُمْ بِالتَّقْوَى لِكَيْلَا يُحْبِطُوا إِيمَانَهُمْ، لِأَنَّ عِنْدَ الِاتِّقَاءِ مِنَ الْكَبَائِرِ يَسْلَمُ لَهُمُ الثَّوَابُ وَبِالْإِقْدَامِ عَلَيْهَا يُحْبَطُ، فَيُقَالُ لَهُ هَذَا بِأَنْ يَدُلَّ عَلَى ضِدِّ قَوْلِكَ أَوْلَى، لِأَنَّهُ لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّقْوَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَبْقَى مُؤْمِنًا مَعَ عَدَمِ التَّقْوَى، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفِسْقَ لَا يُزِيلُ الْإِيمَانَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالِاتِّقَاءِ بَيَّنَ لَهُمْ مَا فِي هَذَا الِاتِّقَاءِ مِنَ الْفَوَائِدِ، فَقَالَ تَعَالَى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ فَقَوْلُهُ: فِي هذِهِ الدُّنْيا يُحْتَمَلُ أَنْ يكون صلة لقوله: أَحْسَنُوا أو لحسنة، فَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ لِلَّذِينِ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا كُلُّهُمْ حَسَنَةٌ فِي الْآخِرَةِ، وَهِيَ دُخُولُ الْجَنَّةِ، وَالتَّنْكِيرُ فِي قَوْلِهِ: حَسَنَةٌ لِلتَّعْظِيمِ يَعْنِي حَسَنَةٌ لَا يَصِلُ الْعَقْلُ إِلَى كُنْهِ كَمَالِهَا. وَأَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي: فَمَعْنَاهُ الَّذِينَ أَحْسَنُوا فَلَهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ، وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ قَالُوا هَذِهِ الْحَسَنَةُ هِيَ الصِّحَّةُ وَالْعَافِيَةُ، وَأَقُولُ الْأَوْلَى أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ
فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ثَلَاثَةٌ لَيْسَ لَهَا نِهَايَةٌ: الْأَمْنُ وَالصِّحَّةُ وَالْكِفَايَةُ»
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَوْلَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّ التَّنْكِيرَ فِي قَوْلِهِ: حَسَنَةٌ يَدُلُّ عَلَى النِّهَايَةِ وَالْجَلَالَةِ وَالرِّفْعَةِ، وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ/ بِأَحْوَالِ الدُّنْيَا، فَإِنَّهَا خَسِيسَةٌ وَمُنْقَطِعَةٌ، وَإِنَّمَا يَلِيقُ بِأَحْوَالِ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهَا شَرِيفَةٌ وَآمِنَةٌ مِنَ الِانْقِضَاءِ وَالِانْقِرَاضِ وَالثَّانِي: أَنَّ ثَوَابَ الْمُحْسِنِ بِالتَّوْحِيدِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ إِنَّمَا يَحْصُلُ فِي الْآخِرَةِ قَالَ تَعَالَى: الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَأَيْضًا فَنِعْمَةُ الدُّنْيَا مِنَ الصِّحَّةِ وَالْأَمْنِ وَالْكِفَايَةِ حَاصِلَةٌ لِلْكُفَّارِ، وَأَيْضًا فَحُصُولُهَا لِلْكَافِرِ أَكْثَرُ وَأَتَمُّ مِنْ حُصُولِهَا لِلْمُؤْمِنِ، كَمَا
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ»
وَقَالَ تَعَالَى: لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ [الزُّخْرُفِ: 33] ، الثَّالِثُ:
أَنَّ قَوْلَهُ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ يُفِيدُ الْحَصْرَ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ حَسَنَةَ هَذِهِ الدُّنْيَا لَا تَحْصُلُ إِلَّا لِلَّذِينِ أَحْسَنُوا، وَهَذَا بَاطِلٌ. أَمَّا لَوْ حَمَلْنَا هَذِهِ الْحَسَنَةَ عَلَى حَسَنَةِ الْآخِرَةِ صَحَّ هَذَا الْحَصْرُ، فَكَأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى حَسَنَةِ الْآخِرَةِ أَوْلَى، ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ وَفِيهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا عُذْرَ أَلْبَتَّةَ لِلْمُقَصِّرِينَ فِي الْإِحْسَانِ، حَتَّى إِنَّهُمْ إِنِ اعْتَلُّوا بِأَوْطَانِهِمْ وَبِلَادِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَتَمَكَّنُونَ فِيهَا مِنَ التَّوْفِرَةِ عَلَى الْإِحْسَانِ وَصَرْفِ الْهِمَمِ إِلَيْهِ، قُلْ لَهُمْ فَإِنَّ أَرْضَ اللَّهِ وَاسِعَةٌ وَبِلَادَهُ كَثِيرَةٌ، فَتَحَوَّلُوا مِنْ هَذِهِ الْبِلَادِ إِلَى بِلَادٍ تَقْدِرُونَ فِيهَا عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ، وَاقْتَدُوا بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ فِي مُهَاجَرَتِهِمْ إِلَى غَيْرِ بِلَادِهِمْ،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 430
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست