responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 387
الِاسْتِغْرَاقِ فِي اللَّذَّاتِ الْجُسْمَانِيَّةِ، وَالِاسْتِغْرَاقُ فِيهَا يَمْنَعُ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِطَلَبِ السَّعَادَاتِ الرُّوحَانِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ، لِأَنَّهُمَا حَالَتَانِ مُتَضَادَّتَانِ فَبِقَدْرِ مَا يَزْدَادُ أَحَدُهُمَا يَنْقُصُ الْآخَرُ.
أَمَّا الْمَقَامُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّ الضَّلَالَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يُوجِبُ سُوءَ الْعَذَابِ، فَالْأَمْرُ فِيهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا عَظُمَ إِلْفُهُ بِهَذِهِ الْجُسْمَانِيَّاتِ وَنَسِيَ بِالْكُلِّيَّةِ أَحْوَالَهُ الرُّوحَانِيَّاتِ، فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ فَارَقَ الْمَحْبُوبَ وَالْمَعْشُوقَ، وَدَخَلَ دِيَارًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلِ تِلْكَ الديار إلف وليس لعيته قُوَّةُ مُطَالَعَةِ أَنْوَارِ تِلْكَ الدِّيَارِ، فَكَأَنَّهُ فَارَقَ الْمَحْبُوبَ وَوَصَلَ إِلَى الْمَكْرُوهِ، فَكَانَ لَا مَحَالَةَ فِي أَعْظَمِ الْعَنَاءِ وَالْبَلَاءِ، فَثَبَتَ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْهَوَى تُوجِبُ الضَّلَالَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. وَثَبَتَ أَنَّ الضَّلَالَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يُوجِبُ الْعَذَابَ، وَهَذَا بَيَانٌ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ يَعْنِي أَنَّ السَّبَبَ الْأَوَّلَ لِحُصُولِ ذَلِكَ الضَّلَالِ هُوَ نِسْيَانُ يَوْمِ الْحِسَابِ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُتَذَكِّرًا لِيَوْمِ الْحِسَابِ لَمَا أَعْرَضَ عَنْ إِعْدَادِ الزَّادِ لِيَوْمِ الْمَعَادِ، وَلَمَا صَارَ مُسْتَغْرِقًا فِي هَذِهِ اللَّذَّاتِ الْفَاسِدَةِ.
رُوِيَ عَنْ بَعْضِ خُلَفَاءِ بَنِي مَرْوَانَ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَلْ سَمِعْتَ مَا بَلَغَنَا أَنَّ الْخَلِيفَةَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ الْقَلَمُ وَلَا يَكْتُبُ عَلَيْهِ مَعْصِيَةً؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْخُلَفَاءُ أَفْضَلُ. أَمِ الْأَنْبِيَاءُ!؟ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ [آلِ عِمْرَانَ: 191] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [الرُّومِ: 8] وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: احْتَجَّ الْجُبَّائِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا لِأَعْمَالِ الْعِبَادِ قَالَ لِأَنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَكُلُّهَا أَبَاطِيلُ. فَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أنه ما خلق السموات وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا دَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَخْلُقْ أَعْمَالَ الْعِبَادِ. وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [الحجر: 85] وَعِنْدَ الْمُجَبِّرَةِ أَنَّهُ خَلَقَ الْكَافِرَ لِأَجْلِ أَنْ يَكْفُرَ وَالْكُفْرُ بَاطِلٌ، وَقَدْ خَلَقَ الْبَاطِلَ، ثُمَّ أَكَّدَ تَعَالَى ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ كُلُّ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ فَهُوَ كَافِرٌ، فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُجَبِّرَةِ عَيْنُ الْكُفْرِ، وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى خَالِقًا لِأَعْمَالِ الْعِبَادِ فَقَالُوا هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ تَعَالَى خَالِقًا لِكُلِّ مَا بَيْنَ السموات وَالْأَرْضِ، وَأَعْمَالُ الْعِبَادِ حَاصِلَةٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى خَالِقًا لَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ فِي هَذَا الْعَالَمِ، فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ خَلَقَهُمْ لِلْإِضْرَارِ أَوْ لِلْإِنْفَاعِ أَوْ لَا لِلْإِنْفَاعِ وَلَا لِلْإِضْرَارِ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالرَّحِيمِ الْكَرِيمِ، وَالثَّالِثُ أَيْضًا بَاطِلٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ حَاصِلَةٌ حِينَ كَانُوا مَعْدُومِينَ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ خَلَقَهُمْ لِلْإِنْفَاعِ، فَنَقُولُ وَذَلِكَ الْإِنْفَاعُ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي حَيَاةِ الدُّنْيَا أَوْ فِي حَيَاةِ الْآخِرَةِ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ مَنَافِعَ الدُّنْيَا قَلِيلَةٌ وَمَضَارَّهَا كَثِيرَةٌ، وَتَحَمُّلُ الْمَضَارِّ الْكَثِيرَةِ لِلْمَنْفَعَةِ الْقَلِيلَةِ لَا يَلِيقُ بِالْحِكْمَةِ، وَلَمَّا بَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ ثَبَتَ الْقَوْلُ بِوُجُودِ حَيَاةٍ أُخْرَى بَعْدَ هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَذَلِكَ هُوَ الْقَوْلُ بِالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالْقِيَامَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ يُمْكِنُ تَقْرِيرُهُ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَقَدْ لَخَّصْنَاهَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ يُونُسَ بِالِاسْتِقْصَاءِ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى التَّكْرِيرِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 387
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست