responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 378
قُلْنَا إِنَّ دَاوُدَ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى مُخَالَفَةِ النَّفْسِ بَلْ سَعَى فِي إِرَاقَةِ دَمِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لِغَرَضِ شَهْوَتِهِ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ أَنْ يَأْمُرَ مُحَمَّدًا أَفْضَلَ الرُّسُلِ بِأَنْ يَقْتَدِيَ بِدَاوُدَ فِي الصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ.
وَأَمَّا الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: فَهِيَ أَنَّهُ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ عَبْدًا لَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذَا الْوَصْفِ بَيَانُ كَوْنِ ذَلِكَ الْمَوْصُوفِ كَامِلًا فِي مَوْقِفِ الْعُبُودِيَّةِ تَامًّا فِي الْقِيَامِ بِأَدَاءِ الطَّاعَاتِ وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الْمَحْظُورَاتِ، وَلَوْ قُلْنَا إِنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اشْتَغَلَ بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ الْبَاطِلَةِ، فَحِينَئِذٍ مَا كَانَ دَاوُدُ كَامِلًا/ فِي عُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ كَانَ كَامِلًا فِي طَاعَةِ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: هُوَ قَوْلُهُ: ذَا الْأَيْدِ [ص: 17] أَيْ ذَا الْقُوَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْقُوَّةُ فِي الدِّينِ، لِأَنَّ الْقُوَّةَ فِي غَيْرِ الدِّينِ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي مُلُوكِ الْكُفَّارِ، وَلَا مَعْنَى لِلْقُوَّةِ فِي الدِّينِ إِلَّا الْقُوَّةَ الْكَامِلَةَ عَلَى أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ، وَالِاجْتِنَابِ عَنِ الْمَحْظُورَاتِ، وَأَيُّ قُوَّةٍ لِمَنْ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ عَنِ الْقَتْلِ وَالرَّغْبَةِ فِي زَوْجَةِ الْمُسْلِمِ؟.
الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: كَوْنُهُ أَوَّابًا كَثِيرَ الرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَكَيْفَ يَلِيقُ هَذَا بِمَنْ يَكُونُ قَلْبُهُ مَشْغُوفًا بِالْقَتْلِ وَالْفُجُورِ؟.
الصِّفَةُ الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ [ص: 18] أَفَتَرَى أَنَّهُ سُخِّرَتْ لَهُ الْجِبَالُ لِيَتَّخِذَهُ وَسِيلَةً إِلَى الْقَتْلِ وَالْفُجُورِ؟.
الصِّفَةُ السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً [ص: 19] ، وَقِيلَ إِنَّهُ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ صَيْدُ شَيْءٍ مِنَ الطَّيْرِ وَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ الطَّيْرُ آمِنًا مِنْهُ وَلَا يَنْجُو مِنْهُ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ على روحه ومنكوحه؟.
الصفة السابعة: قوله تعالى: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى شَدَدَ مُلْكَهُ بِأَسْبَابِ الدُّنْيَا، بَلِ الْمُرَادُ أنه تعالى شد مُلْكَهُ بِمَا يُقَوِّي الدِّينَ وَأَسْبَابِ سَعَادَةِ الْآخِرَةِ، وَالْمُرَادُ تَشْدِيدُ مُلْكِهِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَمَنْ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ عَنِ الْقَتْلِ وَالْفُجُورِ كَيْفَ يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ؟.
الصِّفَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ [ص: 20] وَالْحِكْمَةُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يَنْبَغِي عِلْمًا وَعَمَلًا، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى: إنا آتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ مَعَ إِصْرَارِهِ عَلَى مَا يَسْتَنْكِفُ عَنْهُ الْخَبِيثُ الشَّيْطَانُ مِنْ مُزَاحَمَةِ أَخْلَصِ أَصْحَابِهِ فِي الرُّوحِ وَالْمَنْكُوحِ، فَهَذِهِ الصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلَ شَرْحِ تِلْكَ الْقِصَّةِ دَالَّةٌ عَلَى بَرَاءَةِ سَاحَتِهِ عَنْ تِلْكَ الْأَكَاذِيبِ.
وَأَمَّا الصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ بعد ذكر القصة فهي عشرة الأول: قَوْلُهُ: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ وَذِكْرُ هَذَا الْكَلَامِ إِنَّمَا يُنَاسِبُ لَوْ دَلَّتِ القصة المتقدمة على قوته فِي طَاعَةِ اللَّهِ، أَمَّا لَوْ كَانَتِ الْقِصَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ دَالَّةً عَلَى سَعْيِهِ فِي الْقَتْلِ وَالْفُجُورِ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى لائقا به الثاني: قوله تعالى: يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَذِبِ تِلْكَ الْقِصَّةِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَلِكَ الْكَبِيرَ إِذَا حَكَى عَنْ بَعْضِ عَبِيدِهِ أَنَّهُ قَصَدَ دِمَاءَ النَّاسِ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَزْوَاجَهُمْ فَبَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ شَرْحِ الْقِصَّةِ عَلَى مَلَأٍ مِنَ النَّاسِ يَقْبُحُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ عَقِيبَهُ أَيُّهَا الْعَبْدُ إِنِّي فَوَّضْتُ إِلَيْكَ خِلَافَتِي وَنِيَابَتِي، وَذَلِكَ لِأَنَّ ذِكْرَ تِلْكَ الْقَبَائِحِ وَالْأَفْعَالِ الْمُنْكَرَةِ يُنَاسِبُ الزَّجْرَ وَالْحَجْرَ، فَأَمَّا جَعْلُهُ نَائِبًا وَخَلِيفَةً لِنَفْسِهِ فَذَلِكَ الْبَتَّةَ مِمَّا لَا يَلِيقُ وَثَانِيهَا: أَنَّهُ ثَبَتَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ ذِكْرَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 378
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست