responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 349
جَهْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّهُ مُحَالٌ، فَهَذَا تَمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ وَالْجَوَابُ: عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّا قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا أَمَرَهُ بِالذَّبْحِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِكَوْنِ تلك الرؤيا واجب الْعَمَلُ بِهَا وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَتَى بِكُلِّ مَا رَآهُ فِي ذَلِكَ الْمَنَامِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ ثَانِيًا كُلَّمَا قَطَعَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جُزْءًا أَعَادَ اللَّهُ تَعَالَى التَّأْلِيفَ إِلَيْهِ، فَنَقُولُ هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ أَتَى بِكُلِّ مَا أُمِرَ بِهِ لَمَا احْتَاجَ إِلَى الْفِدَاءِ وَحَيْثُ احْتَاجَ إِلَيْهِ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ ثَالِثًا إِنَّهُ يَلْزَمُ، إِمَّا الْأَمْرُ بِالْقَبِيحِ وَإِمَّا الْجَهْلُ، فَنَقُولُ هَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِمَا يَكُونُ حَسَنًا فِي ذَاتِهِ وَلَا يَنْهَى إِلَّا عَمَّا يَكُونُ قَبِيحًا فِي ذَاتِهِ، وَذَلِكَ بِنَاءٌ عَلَى تَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَيْضًا فَهَبْ أَنَّا نُسَلِّمُ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّا نَقُولُ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْأَمْرَ بِالشَّيْءِ تَارَةً يَحْسُنُ لِكَوْنِ الْمَأْمُورِ بِهِ حَسَنًا وَتَارَةً لِأَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ الْأَمْرَ يُفِيدُ صِحَّةَ مَصْلَحَةٍ مِنَ الْمَصَالِحِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَأْمُورُ بِهِ حَسَنًا أَلَا تَرَى أَنَّ السَّيِّدَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُرَوِّضَ عَبْدَهُ، فَإِنَّهُ يَقُولُ لَهُ إِذَا جَاءَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَافْعَلِ الْفِعْلَ الْفُلَانِيَّ، وَيَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ مِنَ الْأَفْعَالِ الشَّاقَّةِ، وَيَكُونُ مَقْصُودُ السَّيِّدِ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ لَيْسَ أَنْ يَأْتِيَ ذَلِكَ الْعَبْدُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ، بَلْ أَنْ يُوَطِّنَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ عَلَى الِانْقِيَادِ وَالطَّاعَةِ، ثُمَّ إِنَّ السَّيِّدَ إِذَا عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الطَّاعَةِ فَقَدْ يُزِيلُ الْأَلَمَ عَنْهُ ذَلِكَ التَّكْلِيفُ، فكذا هاهنا، فَمَا لَمْ تُقِيمُوا الدَّلَالَةَ عَلَى فَسَادِ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَمْ يَتِمَّ كَلَامُكُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَأْمُرُ بِمَا لَا يُرِيدُ وُقُوعَهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِالذَّبْحِ وَمَا أَرَادَ وُقُوعَهُ، أَمَّا أَنَّهُ أَمَرَ بِالذَّبْحِ فَلَمَّا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى. وَأَمَّا أَنَّهُ مَا أَرَادَ وُقُوعَهُ فَلِأَنَّ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ مَا أَرَادَ اللَّهُ وُقُوعَهُ فَإِنَّهُ يَقَعُ، وَحَيْثُ لَمْ يَقَعْ هَذَا الذَّبْحُ عَلِمْنَا أَنَّهُ تَعَالَى مَا أَرَادَ وُقُوعَهُ، وَأَمَّا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ فَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنْ ذَلِكَ الذَّبْحِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الشَّيْءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّاهِيَ لَا يُرِيدُ وُقُوعَهُ فَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالذَّبْحِ، وَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى مَا أَرَادَهُ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يُوجَدُ بِدُونِ الْإِرَادَةِ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالذَّبْحِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي بَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي وُرُودِ هَذَا التَّكْلِيفِ فِي النَّوْمِ لَا فِي الْيَقَظَةِ وَبَيَانُهُ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ:
أَنَّ هَذَا التَّكْلِيفَ كَانَ فِي نِهَايَةِ الْمَشَقَّةِ عَلَى الذَّابِحِ وَالْمَذْبُوحِ، فَوَرَدَ أَوَّلًا فِي النَّوْمِ حَتَّى يَصِيرَ ذَلِكَ كَالْمُنَبِّهِ لِوُرُودِ هَذَا التَّكْلِيفِ الشَّاقِّ، ثُمَّ يَتَأَكَّدُ حَالُ النَّوْمِ بِأَحْوَالِ الْيَقَظَةِ، فَحِينَئِذٍ لَا يَهْجُمُ هَذَا التَّكْلِيفُ دُفْعَةً وَاحِدَةً بَلْ شَيْئًا فَشَيْئًا الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ حَقًّا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ [الْفَتْحِ: 27] وَقَالَ عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ [يُوسُفَ: 4] وَقَالَ فِي حَقِّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [الصَّافَّاتِ: 102] وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ تَقْوِيَةُ الدَّلَالَةِ عَلَى كَوْنِهِمْ صَادِقِينَ، لِأَنَّ الْحَالَ إِمَّا حَالُ يَقَظَةٍ وَإِمَّا حَالُ مَنَامٍ، فَإِذَا تَظَاهَرَتِ الْحَالَتَانِ عَلَى الصِّدْقِ، كَانَ ذَلِكَ هُوَ النِّهَايَةَ فِي بَيَانِ كَوْنِهِمْ مُحِقِّينَ صَادِقِينَ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ نَقُولُ مَقَامَاتُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى وَفْقِ الرُّؤْيَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ رَسُولِنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ثُمَّ وَقَعَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِعَيْنِهِ، وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الضِّدِّ كَمَا فِي حَقِّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ رَأَى الذَّبْحَ وَكَانَ الْحَاصِلُ هُوَ الْفِدَاءَ وَالنَّجَاةَ، وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى ضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 349
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست