responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 247
وَفِيهِ مِنَ التَّحْذِيرِ مَا لَيْسَ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَلْحَقُ أَوْ وَلَا يَصِلُ، وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ: بِأَهْلِهِ فَفِيهِ مَا لَيْسَ فِي قَوْلِ القائل ولا يحيق المكر السيء إِلَّا بِالْمَاكِرِ، كَيْ لَا يَأْمَنَ الْمُسِيءُ فَإِنَّ من أساء ومكره سيء آخَرُ قَدْ يَلْحَقُهُ جَزَاءً عَلَى سَيِّئَةٍ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ سَيِّئًا فَلَا يَكُونُ أَهْلًا فيأمن المكر السيء، وَأَمَّا فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَفَائِدَتُهُ الْحَصْرُ بِخِلَافِ ما يقول القائل المكر السيء يَحِيقُ بِأَهْلِهِ، فَلَا يُنْبِئُ عَنْ عَدَمِ الْحَيْقِ بِغَيْرِ أَهْلِهِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَثِيرًا مَا نَرَى أَنَّ الْمَاكِرَ يَمْكُرُ وَيُفِيدُهُ الْمَكْرُ وَيَغْلِبُ الْخَصْمَ بِالْمَكْرِ وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ ذَلِكَ، فَنَقُولُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: إِنَّ الْمَكْرَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ هُوَ الْمَكْرُ الَّذِي مكروه مع النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنَ الْعَزْمِ عَلَى الْقَتْلِ وَالْإِخْرَاجِ وَلَمْ يَحِقْ إِلَّا بِهِمْ، حَيْثُ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ وغيره وثانيها: هو أن نقول المكر السيء عَامٌّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَهَى عَنِ الْمَكْرِ
وَأَخْبَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَمْكُرُوا وَلَا تُعِينُوا مَاكِرًا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السيء/ إِلَّا بِأَهْلِهِ»
وَعَلَى هَذَا فَذَلِكَ الرَّجُلُ الْمَمْكُورُ بِهِ [لَا] يَكُونُ أَهْلًا فَلَا يُرِدْ نَقْضًا وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْأُمُورَ بِعَوَاقِبِهَا، وَمَنْ مَكَرَ بِهِ غَيْرُهُ وَنَفَذَ فِيهِ الْمَكْرُ عَاجِلًا فِي الظَّاهِرِ فَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْفَائِزُ وَالْمَاكِرُ هُوَ الْهَالِكُ وَذَلِكَ مِثْلُ رَاحَةِ الْكَافِرِ وَمَشَقَّةِ الْمُسْلِمِ فِي الدُّنْيَا، وَيُبَيِّنُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ يَعْنِي إِذَا كَانَ لِمَكْرِهِمْ فِي الْحَالِ رَوَاجٌ فَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى وَالْأُمُورُ بِخَوَاتِيمِهَا، فَيَهْلِكُونَ كَمَا هلك الأولون.
وقوله تعالى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ بَعْدَ هَذَا إِلَّا انْتِظَارُ الْإِهْلَاكِ وَهُوَ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْإِهْلَاكُ لَيْسَ سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ إِنَّمَا هُوَ سُنَّةُ اللَّهِ بِالْأَوَّلِينَ، فَنَقُولُ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَصْدَرَ الَّذِي هُوَ الْمَفْعُولُ الْمُطْلَقُ يُضَافُ إِلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ لِتَعَلُّقِهِ بِهِمَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَيُقَالُ فِيمَا إِذَا ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا عَجِبْتُ مِنْ ضَرْبِ عمرو كيف ضرب مع ماله مِنَ الْعَزْمِ وَالْقُوَّةِ وَعَجِبْتُ مِنْ ضَرْبِ زَيْدٍ كيف ضرب مع ماله مِنَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ فَكَذَلِكَ سُنَّةُ اللَّهِ بِهِمْ أَضَافَهَا إِلَيْهِمْ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ سُنَّتْ بِهِمْ وَأَضَافَهَا إلى نفسه بعدها بقوله:
فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ اللَّهِ، إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَنَقُولُ أَضَافَهَا فِي الْأَوَّلِ إليهم حيث قال: سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ لِأَنَّ سُنَّةَ اللَّهِ الْإِهْلَاكُ بِالْإِشْرَاكِ وَالْإِكْرَامُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ أَيَّهُمَا فَإِذَا قَالَ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ تَمَيَّزَتْ وَفِي الثَّانِي أَضَافَهَا إِلَى اللَّهِ، لِأَنَّهَا لَمَّا عُلِمَتْ فَالْإِضَافَةُ إلى الله تعظمها وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا أَمْرٌ وَاقِعٌ لَيْسَ لَهَا مِنْ دَافِعٍ وَثَانِيهِمَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ سُنَّةِ الْأَوَّلِينَ اسْتِمْرَارُهُمْ عَلَى الْإِنْكَارِ وَاسْتِكْبَارُهُمْ عَنِ الْإِقْرَارِ، وَسُنَّةُ اللَّهِ اسْتِئْصَالُهُمْ بِإِصْرَارِهِمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتُمْ تُرِيدُونَ الْإِتْيَانَ بِسُنَّةِ الْأَوَّلِينَ وَاللَّهُ يَأْتِي بِسُنَّةٍ لَا تَبْدِيلَ لَهَا وَلَا تَحْوِيلَ عَنْ مُسْتَحِقِّهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: التَّبْدِيلُ تَحْوِيلٌ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي التَّكْرَارِ؟ نقول بقوله: فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا حَصَلَ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْعَذَابَ لَا تبديل له بغيره، وبقوله: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا حَصَلَ الْعِلْمُ بِأَنَّ الْعَذَابَ مَعَ أَنَّهُ لَا تَبْدِيلَ لَهُ بِالثَّوَابِ لَا يَتَحَوَّلُ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ إِلَى غَيْرِهِ فَيَتِمُّ تَهْدِيدُ الْمُسِيءِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْمُخَاطَبُ بِقَوْلِهِ: فَلَنْ تَجِدَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِرَارًا أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَامًّا كَأَنَّهُ قَالَ فَلَنْ تَجِدَ أَيُّهَا السَّامِعُ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَعَ محمد صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ وَعَلَى هَذَا فَكَأَنَّهُ قَالَ: سُنَّةُ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يُهْلِكُ مَا بَقِيَ فِي الْقَوْمِ مَنْ كَتَبَ اللَّهُ إِيمَانَهُ، فَإِذَا/ آمَنَ مَنْ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يُؤْمِنُ يُهْلِكُ الْبَاقِينَ كَمَا قَالَ نُوحٌ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 247
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست