responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 232
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ.
لَمَّا بَيَّنَ الْهُدَى وَالضَّلَالَةَ وَلَمْ يَهْتَدِ الْكَافِرُ، وَهَدَى اللَّهُ الْمُؤْمِنَ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا بِالْبَصِيرِ وَالْأَعْمَى، فَالْمُؤْمِنُ بَصِيرٌ حَيْثُ أَبْصَرَ الطَّرِيقَ الْوَاضِحَ وَالْكَافِرُ أَعْمَى، وَفِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ما الفائدة في تكثير الأمثلة هاهنا حَيْثُ ذَكَرَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرَ، وَالظُّلْمَةَ وَالنُّورَ، وَالظِّلَّ وَالْحَرُورَ، وَالْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ؟ فَنَقُولُ الْأَوَّلُ مِثْلُ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَالْمُؤْمِنُ بَصِيرٌ وَالْكَافِرُ أَعْمَى، ثُمَّ إِنَّ الْبَصِيرَ وَإِنْ كَانَ حَدِيدَ الْبَصَرِ وَلَكِنْ لَا يُبْصِرُ شَيْئًا إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ضَوْءٍ فَذَكَرَ لِلْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ مَثَلًا، وَقَالَ الْإِيمَانُ نُورٌ وَالْمُؤْمِنُ بَصِيرٌ وَالْبَصِيرُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ النُّورُ، وَالْكُفْرُ ظُلْمَةٌ وَالْكَافِرُ أَعْمَى فَلَهُ صَادٌّ فَوْقَ صَادٍّ، ثُمَّ ذَكَرَ لِمَآلِهِمَا وَمَرْجِعِهِمَا مَثَلًا وَهُوَ الظِّلُّ وَالْحَرُورُ، فَالْمُؤْمِنُ بِإِيمَانِهِ فِي ظِلٍّ وَرَاحَةٍ وَالْكَافِرُ بِكُفْرِهِ فِي حَرٍّ وَتَعَبٍ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ مَثَلًا آخَرَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ كَأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى حَالُ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَوْقَ حَالِ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ، فَإِنَّ الْأَعْمَى يُشَارِكُ الْبَصِيرَ فِي إِدْرَاكٍ مَا. وَالْكَافِرَ غَيْرُ مُدْرِكٍ إِدْرَاكًا نَافِعًا فَهُوَ كَالْمَيِّتِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ تَعَالَى أَعَادَ الْفِعْلَ حَيْثُ قَالَ أَوَّلًا: وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَعَطَفَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ وَالظِّلَّ وَالْحَرُورَ، ثُمَّ أَعَادَ الْفِعْلَ، وَقَالَ: وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ كَأَنَّهُ جَعَلَ هَذَا مُقَابِلًا لِذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: كَرَّرَ كَلِمَةَ النَّفْيِ بَيْنَ الظُّلُمَاتِ والنور والظل والحرور والأحياء الأموات، وَلَمْ يُكَرِّرْ بَيْنَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّكْرِيرَ لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُنَافَاةَ بَيْنَ الظُّلْمَةِ وَالنُّورِ وَالظِّلِّ وَالْحَرُورِ مُضَادَّةٌ، فَالظُّلْمَةُ تُنَافِي النُّورَ وَتُضَادُّهُ وَالْعَمَى وَالْبَصَرُ كَذَلِكَ، أَمَّا الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الشَّخْصُ الْوَاحِدُ قَدْ يَكُونُ بَصِيرًا وَهُوَ بِعَيْنِهِ يَصِيرُ أَعْمَى، فَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا إِلَّا مِنْ حَيْثُ الْوَصْفِ، وَالظِّلُّ وَالْحَرُورُ والمنافاة بَيْنَهُمَا ذَاتِيَّةٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الظِّلِّ عَدَمُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فَلَمَّا كَانَتِ الْمُنَافَاةُ هُنَاكَ أَتَمَّ، أَكَّدَ بِالتَّكْرَارِ، وَأَمَّا الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ، وَإِنْ كَانُوا كَالْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْجِسْمَ الْوَاحِدَ يَكُونُ حَيًّا مَحَلًّا لِلْحَيَاةِ فَيَصِيرُ مَيِّتًا مَحَلًّا لِلْمَوْتِ وَلَكِنَّ الْمُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ أَتَمُّ مِنَ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ، كَمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْأَعْمَى وَالْبَصِيرَ يَشْتَرِكَانِ فِي إِدْرَاكِ أَشْيَاءَ، وَلَا كَذَلِكَ الْحَيُّ وَالْمَيِّتُ، كَيْفَ وَالْمَيِّتُ يُخَالِفُ الْحَيَّ فِي الْحَقِيقَةِ لَا فِي الْوَصْفِ عَلَى مَا تَبَيَّنَ فِي الْحِكْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَدَّمَ الْأَشْرَفَ فِي مَثَلَيْنِ وَهُوَ الظِّلُّ وَالْحَرُورُ، وَأَخَّرَهُ فِي مَثَلَيْنِ وَهُوَ الْبَصَرُ وَالنُّورُ، وَفِي مِثْلِ هَذَا يَقُولُ الْمُفَسِّرُونَ إِنَّهُ لِتَوَاخِي أَوَاخِرِ الْآيِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ تَوَاخِيَ الْأَوَاخِرِ رَاجِعٌ إِلَى السَّجْعِ، وَمُعْجِزَةُ الْقُرْآنِ فِي الْمَعْنَى لَا فِي مُجَرَّدِ اللَّفْظِ، فَالشَّاعِرُ يُقَدِّمُ وَيُؤَخِّرُ لِلسَّجْعِ فَيَكُونُ اللَّفْظُ حَامِلًا لَهُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمَعْنَى، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَحِكْمَةٌ بَالِغَةٌ وَالْمَعْنَى فِيهِ صَحِيحٌ واللفظ فصحيح فَلَا يُقَدِّمُ وَلَا يُؤَخِّرُ اللَّفْظَ بِلَا مَعْنًى، فَنَقُولُ الْكُفَّارُ قَبْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ كَانُوا فِي ضَلَالَةٍ فَكَانُوا كَالْعُمْيِ وَطَرِيقُهُمْ كالظلة ثُمَّ لَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ وَبَيَّنَ الْحَقَّ، وَاهْتَدَى بِهِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 26  صفحه : 232
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست