responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 82
نُضْجًا آخَرَ، وَيَكُونُ مَعَ الْغِذَاءِ الْمُتَوَجِّهِ مِنَ الْمَعِدَةِ إِلَى الْكَبِدِ فَضْلُ مَاءٍ مَشْرُوبٍ لِيُرَقَّقَ وَيَنْذَرِقَ فِي الْعُرُوقِ الدِّقَاقِ الْمَذْكُورَةِ، وَفِي الْكَبِدِ يَسْتَغْنِي عَنْ ذَلِكَ الْمَاءِ فَيَتَمَيَّزُ عَنْهُ ذَلِكَ الْمَاءُ وَيَنْصَبُّ مِنْ جَانِبِ حَدَبَةِ الْكَبِدِ إِلَى الْكُلْيَةِ وَمَعَهُ دَمٌ يَسِيرٌ تَغْتَذِي بِهِ الْكُلْيَةُ وَغَيْرُهَا، وَيَخْرُجُ الدَّمُ الْخَالِصُ مِنَ الْكَبِدِ فِي عِرْقٍ كَبِيرٍ، ثُمَّ يَتَشَعَّبُ ذَلِكَ النَّهْرُ إِلَى جَدَاوِلَ، وَالْجَدَاوِلُ إِلَى سَوَاقٍ، وَالسَّوَاقِي إِلَى رَوَاضِعَ وَيَصِلُ فِيهَا إِلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ، فَهَذِهِ حِكْمَةٌ وَاحِدَةٌ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ، وَهَذِهِ كِفَايَةٌ فِي مَعْرِفَةِ كَوْنِ اللَّهِ فَاعِلًا مُخْتَارًا قَادِرًا كَامِلًا عَالِمًا شَامِلًا عِلْمُهُ، وَمَنْ يَكُونُ كَذَلِكَ يَكُونُ وَاحِدًا وَإِلَّا لَكَانَ عَاجِزًا عِنْدَ إِرَادَةِ شَرِيكِهِ ضِدَّ مَا أَرَادَهُ. وَأَمَّا دَلَالَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى الْحَشْرِ فَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا تَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ يَرَى قُوَاهُ صَائِرَةً إِلَى الزَّوَالِ، وَأَجْزَاءَهُ مَائِلَةً إِلَى الِانْحِلَالِ فَلَهُ فَنَاءٌ ضَرُورِيٌّ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَيَاةٌ أُخْرَى لَكَانَ خَلْقُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِلْفَنَاءِ عَبَثًا، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً [الْمُؤْمِنُونَ: 115] وَهَذَا ظَاهِرٌ، لِأَنَّ مَنْ يَفْعَلُ شَيْئًا لِلْعَبَثِ فَلَوْ بَالَغَ فِي إِحْكَامِهِ وَإِتْقَانِهِ يَضْحَكُ مِنْهُ، فَإِذَا خَلَقَهُ لِلْبَقَاءِ وَلَا بَقَاءَ دُونَ اللِّقَاءِ فَالْآخِرَةُ لَا بُدَّ مِنْهَا، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ بَعْدَ دَلِيلِ الْأَنْفُسِ دَلِيلَ الْآفَاقِ فَقَالَ: مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى فَقَوْلُهُ: إِلَّا بِالْحَقِّ إِشَارَةٌ إِلَى وَجْهِ دَلَالَتِهَا عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ [الْعَنْكَبُوتِ: 44] وَنُعِيدُهُ فَإِنَّ التَّكْرِيرَ فِي الذِّهْنِ يُفِيدُ التَّقْرِيرَ لِذِي الذِّهْنِ، فَنَقُولُ إِذَا كَانَ بِالْحَقِّ لَا يَكُونُ فِيهَا بُطْلَانٌ/ فَلَا يَكُونُ فِيهَا فَسَادٌ لِأَنَّ كُلَّ فَاسِدٍ بَاطِلٌ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَسَادٌ لَا تَكُونُ آلِهَةً وَإِلَّا لَكَانَ فِيهَا فَسَادٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الْأَنْبِيَاءِ: 22] وَقَوْلُهُ: وَأَجَلٍ مُسَمًّى يُذَكِّرُ بِالْأَصْلِ الْآخَرِ الَّذِي أَنْكَرُوهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ لَكافِرُونَ يَعْنِي لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا بُدَّ بَعْدَ هَذِهِ الْحَيَاةِ مِنْ لِقَاءٍ وَبَقَاءٍ إِمَّا فِي إِسْعَادٍ أَوْ شَقَاءٍ، وَفِي الْآيَةِ مسائل:
المسألة الأولى: قدم هاهنا دَلَائِلَ الْأَنْفُسِ عَلَى دَلَائِلِ الْآفَاقِ، وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ [فُصِّلَتْ: 53] قَدَّمَ دَلَائِلَ الْآفَاقِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُفِيدَ إِذَا أَفَادَ فَائِدَةً يَذْكُرُهَا عَلَى وَجْهٍ جَيِّدٍ يَخْتَارُهُ فَإِنْ فَهِمَهُ السَّامِعُ الْمُسْتَفِيدُ فَذَلِكَ وَإِلَّا يَذْكُرُهَا عَلَى وَجْهٍ أَبْيَنَ مِنْهُ وَيَنْزِلُ دَرَجَةً فَدَرَجَةً، وَأَمَّا الْمُسْتَفِيدُ فَإِنَّهُ يَفْهَمُ أَوَّلًا الْأَبْيَنَ، ثُمَّ يَرْتَقِي إِلَى فَهْمِ ذَلِكَ الْأَخْفَى الَّذِي لَمْ يَكُنْ فَهِمَهُ فَيَفْهَمُهُ بَعْدَ فَهْمِ الْأَبْيَنِ الْمَذْكُورِ آخِرًا، فَالْمَذْكُورُ مِنَ الْمُفِيدِ آخِرًا مَفْهُومٌ عِنْدِ السَّامِعِ أَوَّلًا، إِذَا عُلِمَ هَذَا فَنَقُولُ هاهنا الْفِعْلُ كَانَ مَنْسُوبًا إِلَى السَّامِعِ حَيْثُ قَالَ:
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ يَعْنِي فِيمَا فَهِمُوهُ أَوَّلًا وَلَمْ يَرْتَقُوا إِلَى مَا فَهِمُوهُ ثَانِيًا، وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ: سَنُرِيهِمْ الْأَمْرُ مَنْسُوبٌ إِلَى الْمُفِيدِ الْمُسْمِعِ فَذَكَرَ أَوَّلًا: الْآفَاقَ فَإِنْ لَمْ يَفْهَمُوهُ فَالْأَنْفُسَ لِأَنَّ دَلَائِلَ الْأَنْفُسِ لَا ذُهُولَ لِلْإِنْسَانِ عَنْهَا، وَهَذَا التَّرْتِيبُ مُرَاعًى فِي قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ [آلِ عِمْرَانَ:
191] أَيْ يَعْلَمُونَ اللَّهَ بِدَلَائِلِ الْأَنْفُسِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بِدَلَائِلِ الْآفَاقِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَجْهُ دَلَالَةِ الْخَلْقِ بِالْحَقِّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا وَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى الْحَشْرِ فَكَيْفَ هُوَ؟
فَنَقُولُ وقوع تخريب السموات وَعَدَمُهَا لَا يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ إِلَّا إِمْكَانُهُ، وَأَمَّا وُقُوعُهُ فَلَا يُعْلَمُ إِلَّا بِالسَّمْعِ، لِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى إِبْقَاءِ الْحَادِثِ أَبَدًا كَمَا أَنَّهُ يُبْقِي الْجَنَّةَ وَالنَّارَ بَعْدَ إِحْدَاثِهِمَا أَبَدًا، وَالْخَلْقُ دَلِيلُ إِمْكَانِ الْعَدَمِ، لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ لَمْ يَجِبْ لَهُ الْقِدَمُ فَجَازِ عَلَيْهِ الْعَدَمُ، فَإِذَا أَخْبَرَ الصَّادِقُ عَنْ أَمْرٍ لَهُ إِمْكَانٌ وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلِ التَّصْدِيقُ وَالْإِذْعَانُ،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 82
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست