responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 69
وَجْهُ التَّعَلُّقِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ حَالَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى حِدَةٍ وَحَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى حِدَةٍ وَجَمَعَهُمَا فِي الْإِنْذَارِ وَجَعَلَهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ اشْتَدَّ عِنَادُهُمْ وَزَادَ فَسَادُهُمْ وَسَعَوْا فِي إِيذَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنَعُوهُمْ مِنَ الْعِبَادَةِ فقال مخاطبا للمؤمنين يَا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ
إِنْ تَعَذَّرَتِ الْعِبَادَةُ عَلَيْكُمْ فِي بَعْضِهَا فَهَاجِرُوا وَلَا تَتْرُكُوا عِبَادَتِي بِحَالٍ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْجُلُوسَ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَرَامٌ وَالْخُرُوجَ مِنْهَا وَاجِبٌ، حَتَّى لَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لَزِمَهُ الْخُرُوجُ، وَ [رُ] دِعَ حَتَّى يَقَعَ الطَّلَاقُ ثُمَّ فِي الْآيَةِ مسائل:
إحداها: يا عِبادِيَ
لَمْ يُرِدِ إِلَّا الْمُخَاطَبَةَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ أن الكافر داخل في قوله: يا عِبادِيَ
نقول ليس داخلا في قوله: يا عِبادِيَ
نَقُولُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ مَنْ قَالَ فِي حَقِّهِ (عِبَادِيَ) لَيْسَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الْحِجْرِ: 42] وَالْكَافِرُ تَحْتَ سَلْطَنَةِ الشَّيْطَانِ فَلَا يَكُونُ دَاخِلًا فِي قَوْلِهِ يا عِبادِيَ
الثَّانِي: هُوَ أَنَّ الْخِطَابَ بِعِبَادِي أَشْرَفُ مَنَازِلِ الْمُكَلَّفِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ آدَمَ آتَاهُ اسْمًا عَظِيمًا وَهُوَ اسْمُ الْخِلَافَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [الْبَقَرَةِ: 30] وَالْخَلِيفَةُ أَعْظَمُ النَّاسِ مِقْدَارًا وَأَتَمُّ ذَوِي الْبَأْسِ اقْتِدَارًا، ثُمَّ إِنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يُرْهَبْ مِنْ هَذَا الِاسْمِ وَلَمْ يَنْهَزِمْ، بَلْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهِ وَعَادَاهُ وَغَلَبَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ [الْبَقَرَةِ: 36] ثُمَّ إِنَّ مِنْ أَوْلَادِهِ الصَّالِحِينَ مَنْ سُمِّيَ بِعِبَادِي فَانْخَنَسَ عَنْهُمُ الشَّيْطَانُ وَتَضَاءَلَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الحجر: 42] وَقَالَ هُوَ بِلِسَانِهِ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا كَانَ عَبْدًا لِلَّهِ يَكُونُ أَعْلَى دَرَجَةً مِمَّا إِذَا كَانَ خَلِيفَةً لِوَجْهِ الْأَرْضِ وَلَعَلَّ آدَمَ كَدَاوُدَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ [ص: 26] لَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْ يَدِ الشَّيْطَانِ إِلَّا وَقْتَ مَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى في حقه عبدي وعند ما نَادَاهُ بِقَوْلِهِ: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الْأَعْرَافِ: 23] وَاجْتَبَاهُ بِهَذَا النِّدَاءِ، كَمَا قَالَ فِي حَقِّ دَاوُدَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ [ص: 17] إِذَا عُلِمَ هَذَا فَالْكَافِرُ لَا يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ فَكَيْفَ يَصْلُحُ لِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْخِلَافَةِ؟ فَلَا يدخل في قوله يا عِبادِيَ
إِلَّا الْمُؤْمِنُ. الثَّالِثُ: هُوَ أَنَّ هَذَا الْخِطَابَ حَصَلَ لِلْمُؤْمِنِ بِسَعْيِهِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غَافِرٍ: 60] فَالْمُؤْمِنُ دَعَا رَبَّهُ بِقَوْلِهِ: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا [آل عمران: 193] فأجابه الله تعالى بقوله: يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزُّمَرِ: 53] فَالْإِضَافَةُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ بِقَوْلِ الْعَبْدِ إِلَهِي وَقَوْلِ اللَّهِ عَبْدِي تَأَكَّدَتْ بِدُعَاءِ الْعَبْدِ، لَكِنَّ الْكَافِرَ لَمْ يَدْعُ فلم يجب، فلا يتناول يا عبادي غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا كَانَ عِبَادِي لَا يَتَنَاوَلُ إِلَّا الْمُؤْمِنِينَ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ آمَنُوا
مَعَ أَنَّ الْوَصْفَ إِنَّمَا يُذْكَرُ لِتَمْيِيزِ الْمَوْصُوفِ، كَمَا يُقَالُ يَا أَيُّهَا الْمُكَلَّفُونَ الْمُؤْمِنُونَ، وَيَا أَيُّهَا الرِّجَالُ الْعُقَلَاءُ تَمْيِيزًا عَنِ الْكَافِرِينَ وَالْجُهَّالِ، فَنَقُولُ الْوَصْفُ يُذْكَرُ لَا لِلتَّمْيِيزِ بَلْ لِمُجَرَّدِ بَيَانِ أَنَّ فِيهِ الْوَصْفَ كَمَا يُقَالُ الْأَنْبِيَاءُ الْمُكَرَّمُونَ وَالْمَلَائِكَةُ الْمُطَهَّرُونَ، مَعَ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ مُكَرَّمٌ وَكُلَّ مَلَكٍ مُطَهِّرٌ، وَإِنَّمَا يُقَالُ لِبَيَانِ أَنَّ فِيهِمُ الْإِكْرَامَ وَالطَّهَارَةَ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُنَا اللَّهُ الْعَظِيمُ وَزَيْدٌ الطَّوِيلُ، فَهَهُنَا ذُكِرَ لِبَيَانِ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إذ قال يا عِبادِيَ
فَهُمْ يَكُونُونَ عَابِدِينَ فَمَا الْفَائِدَةُ فِي الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ بِقَوْلِهِ فَاعْبُدُونِ
فَنَقُولُ فِيهِ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا: الْمُدَاوَمَةُ أَيْ يَا مَنْ عَبَدْتُمُونِي فِي الْمَاضِي اعْبُدُونِي فِي الْمُسْتَقْبَلِ الثَّانِيَةُ: الْإِخْلَاصُ أَيْ يَا مَنْ تَعْبُدُنِي أَخْلِصِ الْعَمَلَ لِي وَلَا تَعْبُدْ غيري.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 69
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست