responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 60
[في قوله تَعَالَى اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ] يَعْنِي إِنْ كُنْتَ تَأْسَفُ عَلَى كُفْرِهِمْ فَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ لِتَعْلَمَ أَنَّ نُوحًا وَلُوطًا وَغَيْرَهُمَا كَانُوا عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ بَلَّغُوا الرِّسَالَةَ وَبَالَغُوا فِي إِقَامَةِ الدَّلَالَةِ وَلَمْ يُنْقِذُوا قَوْمَهُمْ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ وَلِهَذَا قَالَ: اتْلُ وَمَا قَالَ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ التِّلَاوَةَ مَا كَانَتْ بَعْدَ الْيَأْسِ مِنْهُمْ إِلَّا لِتَسْلِيَةِ قَلْبِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إِنَّ الرَّسُولَ إِذَا كَانَ مَعَهُ كِتَابٌ وَقَرَأَ كِتَابَهُ مَرَّةً وَلَمْ يُسْمَعْ لَمْ يَبْقَ لَهُ فَائِدَةٌ فِي قِرَاءَتِهِ لِنَفْسِهِ فَنَقُولُ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ مَعَ النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ لَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الْكُتُبَ الْمُسَيَّرَةَ مَعَ الرُّسُلِ عَلَى قِسْمَيْنِ قِسْمٌ يَكُونُ فِيهِ سَلَامٌ وَكَلَامٌ، مَعَ وَاحِدٍ يَحْصُلُ بِقِرَاءَتِهِ مَرَّةً تَمَامُ الْمَرَامِ، وَقِسْمٌ يَكُونُ فِيهِ قَانُونٌ كُلِّيٌّ تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الرَّعِيَّةُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ كَمَا إِذَا كَتَبَ الْمَلِكُ كِتَابًا فِيهِ إِنَّا رَفَعْنَا عَنْكُمُ الْبِدْعَةَ الْفُلَانِيَّةَ وَوَضَعْنَا فِيكُمُ السُّنَّةَ الْفُلَانِيَّةَ وَبَعَثْنَا إِلَيْكُمْ هَذَا الْكِتَابَ فِيهِ جَمِيعُ ذَلِكَ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ كَمِنْوَالٍ يَنْسِجُ عَلَيْهِ وَالٍ بَعْدَ وَالٍ، فَمِثْلُ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُقْرَأُ وَيُتْرَكُ بَلْ يُعَلَّقُ مِنْ مَكَانٍ عَالٍ، وَكَثِيرًا مَا تُكْتَبُ نُسْخَتُهُ عَلَى لَوْحٍ وَيُثَبَّتُ فَوْقَ الْمَحَارِيبِ، وَيَكُونُ نَصْبَ الْأَعْيُنِ، فَكَذَلِكَ كتاب الله مع رسوله مع مُحَمَّدٍ قَانُونٌ كُلِّيٌّ فِيهِ شِفَاءٌ لِلْعَالَمِينَ فَوَجَبَ تِلَاوَتُهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لِيَبْلُغَ إِلَى حَدِّ التَّوَاتُرِ وَيَنْقُلَهُ قَرْنٌ إِلَى قَرْنٍ وَيَأْخُذَهُ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ وَيَثْبُتَ فِي الصُّدُورِ عَلَى مُرُورِ الدُّهُورِ الْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ الْكُتُبَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كِتَابٌ لَا تَكْرَهُ قِرَاءَتَهُ إِلَّا لِلْغَيْرِ كَالْقَصَصِ فَإِنَّ مَنْ قَرَأَ حِكَايَةً مَرَّةً لَا يَقْرَؤُهَا مَرَّةً أُخْرَى إِلَّا لِغَيْرِهِ، ثُمَّ إِذَا سَمِعَهُ ذَلِكَ الْغَيْرُ لَا يَقْرَؤُهَا إِلَّا لِآخَرَ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَوْ قَرَأَهُ عَلَيْهِ لَسَئِمُوهُ، وَكِتَابٌ لَا يُكَرَّرُ عَلَيْهِ إِلَّا لِلنَّفْسِ كَالنَّحْوِ وَالْفِقْهِ وَغَيْرِهِمَا وَكِتَابٌ يُتْلَى مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لِلنَّفْسِ وَلِلْغَيْرِ كَالْمَوَاعِظِ الْحَسَنَةِ فَإِنَّهَا تُكَرَّرُ لِلْغَيْرِ وَكُلَّمَا سَمِعَهَا يَلْتَذُّ بِهَا وَيَرِقُّ لَهَا قَلْبُهُ وَيَسْتَعِيدُهَا وَكُلَّمَا تَدْخُلُ السَّمْعَ يَخْرُجُ الْوَسْوَاسُ مَعَ الدَّمْعِ وَتُكَرَّرُ أَيْضًا لِنَفْسِ الْمُتَكَلِّمِ فَإِنَّ كَثِيرًا مَا يَلْتَذُّ الْمُتَكَلِّمُ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ وَكُلَّمَا يُعِيدُهَا يَكُونُ أَطْيَبَ وَأَلَذَّ وَأَثْبَتَ فِي الْقَلْبِ وَأَنْفَذَ/ حَتَّى يَكَادُ يَبْكِي مِنْ رِقَّتِهِ دَمًا وَلَوْ أَوْرَثَهُ الْبُكَاءُ عَمًى، إِذَا عُلِمَ هَذَا فَالْقُرْآنُ مِنَ الْقَبِيلِ الثَّالِثِ مَعَ أَنَّ فِيهِ الْقَصَصَ وَالْفِقْهَ وَالنَّحْوَ فَكَانَ فِي تِلَاوَتِهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَائِدَةٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لِمَ خَصَّصَ بِالْأَمْرِ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ تِلَاوَةَ الْكِتَابِ وَإِقَامَةَ الصَّلَاةِ؟ فَنَقُولُ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا:
أَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَرَادَ تَسْلِيَةَ قَلْبِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَهُ الرَّسُولُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ طَرَفَيْنِ مِنَ اللَّهِ إِلَى الْخَلْقِ، فَإِذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الطَّرَفُ الْوَاحِدُ وَلَمْ يَقْبَلُوهُ فَالطَّرَفُ الْآخَرُ مُتَّصِلٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّسُولَ إِذَا لَمْ تُقْبَلْ رِسَالَتُهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ مُرْسِلِهِ، فَإِذَا تَلَوْتَ كِتَابَكَ وَلَمْ يَقْبَلُوكَ فَوَجِّهْ وَجْهَكَ إِلَيَّ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِوَجْهِي الْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ الْعِبَادَاتِ الْمُخْتَصَّةَ بِالْعَبْدِ ثَلَاثَةٌ: وَهِيَ الِاعْتِقَادُ الْحَقُّ وَلِسَانِيَّةٌ وَهِيَ الذِّكْرُ الْحَسَنُ وَبَدَنِيَّةٌ خَارِجِيَّةٌ وَهِيَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، لَكِنَّ الِاعْتِقَادَ لَا يَتَكَرَّرُ فَإِنَّ مَنِ اعْتَقَدَ شَيْئًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْتَقِدَهُ مَرَّةً أُخْرَى بَلْ ذَلِكَ يَدُومُ مُسْتَمِرًّا وَالنَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ ذَلِكَ.
حَاصِلًا لَهُ عَنْ عَيَانٍ أَكْمَلَ مِمَّا يَحْصُلُ عَنْ بَيَانٍ، فَلَمْ يُؤْمَرْ بِهِ لِعَدَمِ إِمْكَانِ تَكْرَارِهِ، لَكِنَّ الذِّكْرَ مُمْكِنُ التَّكْرَارِ، وَالْعِبَادَةُ الْبَدَنِيَّةُ كَذَلِكَ فَأَمَرَهُ بِهِمَا فَقَالَ: اتْلُ الْكِتَابَ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: كَيْفَ تَنْهَى الصَّلَاةُ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ؟ نَقُولُ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ الْمُرَادُ مِنَ الصَّلَاةِ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَنْهَى أَيْ فِيهِ النَّهْيُ عَنْهُمَا وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ إِرَادَةَ الْقُرْآنِ مِنَ الصَّلَاةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ قَبْلَهُ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ بِعِيدٌ مِنَ الْفَهْمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَرَادَ بِهِ نَفْسَ الصَّلَاةِ وَهِيَ تَنْهَى عَنْهُمَا مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الِاشْتِغَالُ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا، فَنَقُولُ هَذَا كَذَلِكَ لَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ هَذَا وَإِلَّا لَا يَكُونُ مَدْحًا كَامِلًا لِلصَّلَاةِ،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 60
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست