responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 6
مُعَلَّقًا عَلَى الْمَشِيئَةِ فَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ إِنِّي أُعْطِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ إِنْ شِئْتُ، وَأَمَّا الْهِدَايَةُ بِمَعْنَى الْإِلْجَاءِ وَالْقَسْرِ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ قَبِيحٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ وَفِعْلُ الْقَبِيحِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْجَهْلِ أَوِ الْحَاجَةِ وَهُمَا مُحَالَانِ وَمُسْتَلْزِمُ الْمُحَالِ مُحَالٌ فَذَلِكَ مُحَالٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُحَالُ لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ فِي الْمَشِيئَةِ، وَلَمَّا بَطَلَتِ الْأَقْسَامُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ تَعَالَى يَخُصُّ الْبَعْضَ بِخَلْقِ الْهِدَايَةِ وَالْمَعْرِفَةِ وَيَمْنَعُ الْبَعْضَ مِنْهَا، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ، وَمَتَى أَوْرَدْتَ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ سَقَطَ كُلُّ مَا أَوْرَدَهُ الْقَاضِي عُذْرًا عَنْ ذَلِكَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ الْمُخْتَصُّ بِعِلْمِ الْغَيْبِ فَيَعْلَمُ مَنْ يَهْتَدِي بَعْدُ وَمَنْ لَا يَهْتَدِي، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ شُبَهَهُمْ وَأَجَابَ عَنْهَا بِالْأَجْوِبَةِ الْوَاضِحَةِ، وَبَيَّنَ أَنَّ وُضُوحَ الدَّلَائِلِ لَا يَكْفِي مَا لَمْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ هِدَايَةُ اللَّهِ تَعَالَى، حَكَى عَنْهُمْ شُبْهَةً أُخْرَى مُتَعَلِّقَةً بِأَحْوَالِ الدُّنْيَا وَهِيَ قَوْلُهُمْ: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا [القصص: 57] قَالَ الْمُبَرِّدُ: الْخَطْفُ، الِانْتِزَاعُ بِسُرْعَةٍ،
رُوِيَ أَنَّ الْحَرْثَ بْنَ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: إِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ الَّذِي تَقُولُهُ حَقٌّ، وَلَكِنْ يَمْنَعُنَا مِنْ ذَلِكَ تَخَطُّفُنَا مِنْ أَرْضِنَا،
أَيْ يَجْتَمِعُونَ عَلَى مُحَارَبَتِنَا وَيُخْرِجُونَنَا مِنْ أَرْضِنَا، فَأَجَابَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهَا مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً أَيْ أَعْطَيْنَاكُمْ مَسْكَنًا لَا خَوْفَ لَكُمْ فِيهِ، إِمَّا لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَحْتَرِمُونَ الْحَرَمَ وَمَا كَانُوا يَتَعَرَّضُونَ أَلْبَتَّةَ لِسُكَّانِهِ، فَإِنَّهُ
يُرْوَى أَنَّ الْعَرَبَ خَارِجَ الْحَرَمِ كَانُوا مُشْتَغِلِينَ بِالنَّهْبِ وَالْغَارَةِ، وَمَا كَانُوا يَتَعَرَّضُونَ أَلْبَتَّةَ لِسُكَّانِ الْحَرَمِ،
أَوْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً [آلِ عمران: 97] وأما قَوْلُهُ: يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ تَعَالَى كَمَا بَيَّنَ كَوْنَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ خَالِيًا عَنِ الْمَخَاوِفِ وَالْآفَاتِ بَيَّنَ كَثْرَةَ النِّعَمِ فِيهِ، وَمَعْنَى:
يُجْبى يُجْمَعُ مِنْ قَوْلِهِمْ: جَبَيْتُ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ إِذَا جَمَعْتُهُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ تُجْبَى بِالتَّاءِ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، وَأَبُو عَمْرٍو بِالْيَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ تَأْنِيثَ الثَّمَرَاتِ تَأْنِيثُ جَمْعٍ وَلَيْسَ بِتَأْنِيثٍ حَقِيقِيٍّ، فَيَجُوزُ تَأْنِيثُهُ عَلَى اللَّفْظِ وَتَذْكِيرُهُ عَلَى الْمَعْنَى، وَمَعْنَى الْكُلِّيَّةِ الْكَثْرَةُ كَقَوْلِهِ: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النَّمْلِ: 23] وَحَاصِلُ الْجَوَابِ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا جَعَلَ الْحَرَمَ آمِنًا وَأَكْثَرَ فِيهِ الرِّزْقَ حَالَ كَوْنِهِمْ مُعْرِضِينَ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُقْبِلِينَ عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، فَلَوْ آمَنُوا لَكَانَ بَقَاءُ هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْلَى، قَالَ الْقَاضِي: وَلَوْ أَنَّ الرَّسُولَ قَالَ لَهُمْ إِنَّ الَّذِي ذَكَرْتُمْ مِنَ التَّخَطُّفِ لَوْ كَانَ حَقًّا لَمْ يَكُنْ عُذْرًا لَكُمْ فِي أَنْ لَا تُؤْمِنُوا وَقَدْ ظَهَرَتِ الْحُجَّةُ لَانْقَطَعُوا، أَوْ قَالَ لَهُمْ إِنَّ تَخَطُّفَهُمْ لَكُمْ بِالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ آمَنْتُمْ كَالشَّهَادَةِ لَكُمْ فَهُوَ/ نَفْعٌ عَائِدٌ عَلَيْكُمْ لَانْقَطَعُوا أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ لَهُمْ مَا قَدْرُ مَضَرَّةِ التَّخَطُّفِ فِي جَنْبِ الْعِقَابِ الدَّائِمِ الَّذِي أُخَوِّفُكُمْ مِنْهُ إِنْ بَقِيتُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ لَانْقَطَعُوا، لَكِنَّهُ تَعَالَى احْتَجَّ بِمَا هُوَ أَقْوَى مِنْ حَيْثُ بَيَّنَ كَذِبَهُمْ فِي أَنَّهُمْ يُتَخَطَّفُونَ مِنْ حَيْثُ عَرَفُوا مِنْ حَالِ الْبُقْعَةِ بِالْعَادَةِ، أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجْرِي إِنْ آمَنُوا، وَمِثْلُ ذَلِكَ إِذَا أَمْكَنَ بَيَانُهُ لِلْخَصْمِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ مَا ذَكَرْنَا، فَلِذَلِكَ قَدَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ الْحِجَاجِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلى إزالة شبهة المبطلين. بقي هاهنا بَحْثَانِ:
الْأَوَّلُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» فِي انْتِصَابِ رِزْقًا إِنْ جَعَلْتَهُ مَصْدَرًا جَازَ أَنْ يَنْتَصِبَ بِمَعْنَى مَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ مَعْنَى يُجْبَى إِلَيْهِ ثمرات كل شيء، ويرزق ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ وَاحِدٌ، وَأَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لَهُ، وَإِنْ جَعَلْتَهُ بِمَعْنَى مَرْزُوقٍ كَانَ حَالًا من الثمرات لتخصيصها بالإضافة، كما ينتصب عن النَّكِرَةِ الْمُتَخَصِّصَةِ بِالصِّفَةِ.
الثَّانِي: احْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِقَوْلِهِ: رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا فِي أَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ خَلْقُ اللَّهِ تَعَالَى، وَبَيَانُهُ أَنَّ تِلْكَ الْأَرْزَاقَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 6
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست