responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 53
فَائِدَةٌ؟ قُلْنَا مَا مِنْ حَرْفٍ وَلَا حَرَكَةٍ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا وَفِيهِ فَائِدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ الْعُقُولَ الْبَشَرِيَّةَ تُدْرِكُ بَعْضَهَا وَلَا تَصِلُ إِلَى أَكْثَرِهَا، وَمَا أُوتِيَ الْبَشَرُ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِعَقْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ هُنَاكَ لَمَّا قَالَ لَهُمْ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ فِيها لُوطاً وعدوه بالتنجية ووعد الكريم حتم، وهاهنا لَمَّا قَالُوا لِلُوطٍ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ سَبْقِ الْوَعْدِ مَرَّةً أُخْرَى قَالُوا: إِنَّا مُنَجُّوكَ أَيْ ذَلِكَ وَاقِعٌ مِنَّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكَ مَيِّتٌ [الزُّمَرِ: 30] لِضَرُورَةِ وُقُوعِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُمْ: لَا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ لَا يُنَاسِبُهُ إِنَّا مُنَجُّوكَ لِأَنَّ خَوْفَهُ مَا كَانَ عَلَى نَفْسِهِ، نَقُولُ بَيْنَهُمَا مُنَاسَبَةٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَهِيَ أَنَّ لُوطًا لَمَّا خَافَ عَلَيْهِمْ وَحَزِنَ لِأَجْلِهِمْ قَالُوا لَهُ لَا تَخَفْ عَلَيْنَا وَلَا تَحْزَنْ لِأَجْلِنَا فَإِنَّا مَلَائِكَةٌ، ثُمَّ قَالُوا لَهُ: يَا لُوطُ خِفْتَ عَلَيْنَا وَحَزِنْتَ لِأَجْلِنَا، فَفِي مُقَابَلَةِ خَوْفِكَ وَقْتَ الْخَوْفِ نُزِيلُ خَوْفَكَ وَنُنْجِيكَ، وَفِي مُقَابَلَةِ حُزْنِكَ نُزِيلُ حُزْنَكَ وَلَا نَتْرُكُكَ تُفْجَعُ فِي أَهْلِكَ فَقَالُوا: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْقَوْمُ عُذِّبُوا بِسَبَبِ مَا صَدَرَ مِنْهُمْ مِنَ الْفَاحِشَةِ وَامْرَأَتُهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهَا تِلْكَ فَكَيْفَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ مَعَهُمْ؟ فَنَقُولُ الدَّالُّ عَلَى الشَّرِّ لَهُ نَصِيبٌ كَفَاعِلِ الشَّرِّ، كَمَا أَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ وَهِيَ كَانَتْ تَدُلُّ الْقَوْمَ عَلَى ضُيُوفِ لُوطٍ حَتَّى كَانُوا يَقْصِدُونَهُمْ، فَبِالدَّلَالَةِ صَارَتْ وَاحِدَةً مِنْهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ بَعْدَ بِشَارَةِ لُوطٍ بِالتَّنْجِيَةِ ذَكَرُوا أَنَّهُمْ مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الْعَذَابَ فَقَالُوا: إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ حِجَارَةٌ/ وَقِيلَ نَارٌ وَقِيلَ خَسْفٌ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ عَيَّنَهُ مِنَ السَّمَاءِ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْأَمْرُ بِالْخَسْفِ مِنَ السَّمَاءِ أَوِ الْقَضَاءُ بِهِ مِنَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَلَامَ الْمَلَائِكَةِ مَعَ لُوطٍ جَرَى عَلَى نَمَطِ كَلَامِهِمْ مَعَ إِبْرَاهِيمَ قَدَّمُوا الْبِشَارَةَ عَلَى الْإِنْذَارِ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّا مُنَجُّوكَ ثُمَّ قَالُوا: إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ وَلَمْ يُعَلِّلُوا التَّنْجِيَةَ، فَمَا قَالُوا إِنَّا مُنَجُّوكَ لِأَنَّكَ نَبِيٌّ أَوْ عَابِدٌ، وَعَلَّلُوا الْإِهْلَاكَ بِقَوْلِهِمْ: بِما كانُوا يَفْسُقُونَ وَقَالُوا بِما كانُوا كَمَا قَالُوا هُنَاكَ: إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ [العنكبوت: 31] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ أَيْ مِنَ الْقَرْيَةِ فَإِنَّ الْقَرْيَةَ مَعْلُومَةٌ وَفِيهَا الْمَاءُ الْأَسْوَدُ وَهِيَ بَيْنَ الْقُدْسِ وَالْكَرْكِ وَفِيهَا مَسَائِلُ:
إِحْدَاهَا: جَعَلَ اللَّهُ الْآيَةَ فِي نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ بِالنَّجَاةِ حَيْثُ قَالَ: فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً [الْعَنْكَبُوتِ: 15] وَقَالَ: فَأَنْجاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ [العنكبوت: 24] وجعل هاهنا الْهَلَاكَ آيَةً فَهَلْ عِنْدَكَ فِيهِ شَيْءٌ؟ نَقُولُ نَعَمْ، أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَلِأَنَّ الْآيَةَ كَانَتْ فِي النَّجَاةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ إِهْلَاكٌ، وَأَمَّا فِي نُوحٍ فَلِأَنَّ الْإِنْجَاءَ مِنَ الطُّوفَانِ الَّذِي عَلَا الْجِبَالَ بِأَسْرِهَا أَمْرٌ عَجِيبٌ إِلَهِيٌّ، وَمَا بِهِ النَّجَاةُ وَهُوَ السَّفِينَةُ كَانَ بَاقِيًا، وَالْغَرَقُ لَمْ يَبْقَ لِمَنْ بَعْدَهُ أَثَرُهُ فجعل الباقي آية، وأما هاهنا فَنَجَاةُ لُوطٍ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرٍ يَبْقَى أَثَرُهُ لِلْحِسِّ وَالْهَلَاكُ أَثَرُهُ مَحْسُوسٌ فِي الْبِلَادِ فَجَعَلَ الآية الأمر الباقي وهو هاهنا البلاد وهناك السفينة وهاهنا لَطِيفَةٌ: وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى آيَةُ قُدْرَتِهِ مَوْجُودَةٌ فِي الْإِنْجَاءِ وَالْإِهْلَاكِ فَذَكَرَ مِنْ كُلِّ بَابٍ آيَةً وَقَدَّمَ آيَاتِ الْإِنْجَاءِ لِأَنَّهَا أَثَرُ الرَّحْمَةِ وَأَخَّرَ آيَاتِ الْإِهْلَاكِ لِأَنَّهَا أَثَرُ الْغَضَبِ وَرَحْمَتُهُ سَابِقَةٌ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي السَّفِينَةِ: وَجَعَلْناها آيَةً ولم يقل بينة وقال هاهنا آيَةً بَيِّنَةً نَقُولُ لِأَنَّ الْإِنْجَاءَ بِالسَّفِينَةِ أَمْرٌ يَتَّسِعُ لَهُ كُلُّ عَقْلٍ وَقَدْ يَقَعُ فِي وَهْمِ جَاهِلٍ أَنَّ الْإِنْجَاءَ بِالسَّفِينَةِ لَا يَفْتَقِرُ إلى أمر آخر، وأما الآية هاهنا الخسف وجعل ديار معمورة عاليها وسافلها وَهُوَ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِإِرَادَةِ قَادِرٍ يُخَصِّصُهُ بِمَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ وَفِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، فَهِيَ بَيِّنَةٌ لَا يُمْكِنُ لِجَاهِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا أَمْرٌ يَكُونُ كَذَلِكَ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِي السَّفِينَةِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 53
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست