responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 48
أَمْرَيْنِ فِي الْأَمَانِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ وَالِامْتِنَانِ بِحُسْنِ الثَّوَابِ وَهُوَ وَاصِلٌ إِلَى الْمُؤْمِنِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ قَطْعًا بِحُكْمِ وَعْدِ اللَّهِ نَفْيَ الْعَذَابِ عَنْهُ لِنَفْيِهِ الشِّرْكَ وَإِثْبَاتَ الثَّوَابِ لِإِثْبَاتِهِ الْوَاحِدَ، وَلَكِنَّ هَذَا لَيْسَ بِوَاجِبِ الْحُصُولِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ كَثِيرًا مَا يَكُونُ الْكَافِرُ فِي رَغَدٍ وَالْمُؤْمِنُ جَائِعٌ فِي يَوْمِهِ مُتَفَكِّرٌ فِي أَمْرِ غَدِهِ لَكِنَّهُمَا مَطْلُوبَانِ فِي الدُّنْيَا، أَمَّا دَفْعُ الْعَذَابِ الْعَاجِلِ فَلِأَنَّهُ وَرَدَ فِي دُعَاءِ النبي صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ،
قَوْلُهُ: «وَقِنَا عَذَابَ الْفَقْرِ وَالنَّارِ»
فَعَذَابُ الْفَقْرِ إِشَارَةٌ إِلَى دَفْعِ الْعَذَابِ الْعَاجِلِ، وَأَمَّا الثَّوَابُ الْعَاجِلُ فَفِي قَوْلِهِ: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً [الْبَقَرَةِ:
201] إِذَا عُلِمَ هَذَا فَنَقُولُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا أَتَى بِبَيَانِ التَّوْحِيدِ أَوَّلًا دَفَعَ اللَّهُ عَنْهُ عَذَابَ الدُّنْيَا وَهُوَ عَذَابُ النَّارِ، وَلَمَّا أَتَى بِهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ مَعَ إِصْرَارِ الْقَوْمِ عَلَى التَّكْذِيبِ وَإِضْرَارِهِمْ بِهِ بِالتَّعْذِيبِ، أَعْطَاهُ الْجَزَاءَ الْآخَرَ، وَهُوَ الثَّوَابُ الْعَاجِلُ وَعَدَّدَهُ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَفِي الْآيَةِ لَطِيفَةٌ: وَهِيَ أَنَّ اللَّهَ بَدَّلَ جَمِيعَ أَحْوَالِ إِبْرَاهِيمَ فِي الدُّنْيَا بِأَضْدَادِهَا لَمَّا أَرَادَ الْقَوْمُ تَعْذِيبَهُ بِالنَّارِ وَكَانَ وَحِيدًا فَرِيدًا فَبَدَّلَ وَحْدَتَهُ بِالْكَثْرَةِ حَتَّى مَلَأَ الدُّنْيَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، وَلَمَّا كَانَ أَوَّلًا قَوْمُهُ وَأَقَارِبُهُ الْقَرِيبَةُ ضَالِّينَ مُضِلِّينَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ آزَرُ، بَدَّلَ اللَّهُ أَقَارِبَهُ بِأَقَارِبَ مُهْتَدِينَ هَادِينَ وَهُمْ ذُرِّيَّتُهُ الَّذِينَ جَعَلَ اللَّهُ فِيهِمُ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ، وَكَانَ أَوَّلًا لَا جَاهَ لَهُ وَلَا مَالَ وَهُمَا غَايَةُ اللَّذَّةِ الدُّنْيَوِيَّةِ آتَاهُ اللَّهُ أَجْرَهُ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ، فَكَثُرَ مَالُهُ حَتَّى كَانَ لَهُ مِنَ الْمَوَاشِي مَا عَلِمَ اللَّهُ عَدَدَهُ، حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ كَانَ لَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ كَلْبٍ حَارِسٍ بِأَطْوَاقٍ ذَهَبٍ، وَأَمَّا الْجَاهُ فَصَارَ بِحَيْثُ يَقْرِنُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَصَارَ مَعْرُوفًا بِشَيْخِ الْمُرْسَلِينَ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَامِلًا، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ [الْأَنْبِيَاءِ: 60] وَهَذَا الْكَلَامُ لَا يُقَالُ إِلَّا فِي مَجْهُولٍ بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ يَعْنِي لَيْسَ لَهُ هَذَا فِي الدُّنْيَا فَحَسْبُ كَمَا يَكُونُ لِمَنْ قَدَّمَ لَهُ ثَوَابَ حَسَنَاتِهِ أَوْ أَمْلَى لَهُ اسْتِدْرَاجًا لِيُكْثِرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ بَلْ هَذَا لَهُ عُجَالَةٌ وَلَهُ فِي الْآخِرَةِ ثَوَابُ الدَّلَالَةِ وَالرِّسَالَةِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّ كَوْنَ الْعَبْدِ صَالِحًا أَعْلَى مَرَاتِبِهِ، لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ الصَّالِحَ هُوَ الْبَاقِي عَلَى مَا يَنْبَغِي، يُقَالُ الطَّعَامُ بَعْدُ صَالِحٌ، أَيْ هُوَ بَاقٍ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَمَنْ بَقِيَ عَلَى مَا يَنْبَغِي لَا يَكُونُ فِي عَذَابٍ، وَيَكُونُ لَهُ كُلُّ مَا يُرِيدُ من حسن ثواب وفي الآية مسألتان:
إحداهما: أَنَّ إِسْمَاعِيلَ كَانَ مِنْ أَوْلَادِهِ الصَّالِحِينَ، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ لِأَمْرِ اللَّهِ بِالذَّبْحِ وَانْقَادَ/ لِحُكْمِ اللَّهِ، فَلِمَ لَمْ يُذْكَرْ؟ فَيُقَالُ هُوَ مَذْكُورٌ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَلَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِاسْمِهِ لِأَنَّهُ كَانَ غَرَضُهُ تَبْيِينَ فَضْلِهِ عَلَيْهِ بِهِبَةِ الْأَوْلَادِ وَالْأَحْفَادِ، فَذَكَرَ مِنَ الْأَوْلَادِ وَاحِدًا وَهُوَ الْأَكْبَرُ، وَمِنَ الْأَحْفَادِ وَاحِدًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ إِنَّ السُّلْطَانَ فِي خِدْمَتِهِ الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ الْمَلِكُ الْفُلَانِيُّ وَالْأَمِيرُ الْفُلَانِيُّ وَلَا يُعَدِّدُ [الْكُلَّ] لِأَنَّ ذِكْرَ ذَلِكَ الْوَاحِدِ لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِخُصُوصِيَّتِهِ وَلَوْ ذَكَرَ غَيْرَهُ لَفُهِمَ مِنْهُ التَّعْدِيدُ وَاسْتِيعَابُ الْكُلِّ بِالذِّكْرِ، فَيُظَنُّ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ الْمَذْكُورِينَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ إِجَابَةً لِدُعَائِهِ وَالْوَالِدُ يَسْتَحِبُّ مِنْهُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ وَلَدَيْهِ، فَكَيْفَ صَارَتِ النُّبُوَّةُ فِي أَوْلَادِ إِسْحَاقَ أَكْثَرَ مِنَ النُّبُوَّةِ فِي أَوْلَادِ إِسْمَاعِيلَ؟ فَنَقُولُ: اللَّهُ تَعَالَى قَسَمَ الزَّمَانَ مِنْ وَقْتِ إِبْرَاهِيمَ إِلَى الْقِيَامَةِ قِسْمَيْنِ وَالنَّاسَ أَجْمَعِينَ، فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنَ الزَّمَانِ بَعَثَ اللَّهُ فِيهِ أَنْبِيَاءَ فِيهِمْ فَضَائِلُ جَمَّةٌ وَجَاءُوا تَتْرَى وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَمُجْتَمِعِينَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ كُلُّهُمْ مِنْ وَرَثَةِ إِسْحَاقَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنَ الزَّمَانِ أَخْرَجَ مِنْ ذُرِّيَّةِ وَلَدِهِ الْآخَرِ وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ وَاحِدًا جَمَعَ فِيهِ مَا كَانَ فِيهِمْ وَأَرْسَلَهُ إِلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ وهو

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 48
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست