responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 38
الْوُقُوفُ مُمْتَدًّا إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ صَحَّ ذَلِكَ الْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بِمُجَرَّدِ هِدَايَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ كَانَ يَعْلَمُ فَسَادَ قَوْلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ يَهْدِيهِمْ إِلَى الرَّشَادِ قَبْلَ الْإِرْسَالِ، وَلَمَّا كَانَ هُوَ مُشْتَغِلًا بِالدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ أَرْسَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ إِشَارَةٌ إِلَى التَّوْحِيدِ لِأَنَّ التَّوْحِيدَ إِثْبَاتُ الْإِلَهِ وَنَفْيُ غَيْرِهِ فَقَوْلُهُ: اعْبُدُوا اللَّهَ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِثْبَاتِ، وَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوهُ إِشَارَةٌ إِلَى نَفْيِ الْغَيْرِ لِأَنَّ من يشرك م الْمَلِكِ غَيْرَهُ فِي مُلْكِهِ يَكُونُ قَدْ أَتَى بِأَعْظَمِ الْجَرَائِمِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: اعْبُدُوا اللَّهَ إِشَارَةٌ إِلَى الْإِتْيَانِ بِالْوَاجِبَاتِ، وَقَوْلُهُ: وَاتَّقُوهُ إِشَارَةٌ إِلَى الِامْتِنَاعِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ وَيَدْخُلُ فِي الْأَوَّلِ الِاعْتِرَافُ بِاللَّهِ، وَفِي الثَّانِي الِامْتِنَاعُ مِنَ الشِّرْكِ، ثُمَّ قَوْلُهُ: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يَعْنِي عِبَادَةُ اللَّهِ وَتَقْوَاهُ خَيْرٌ، وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ لِأَنَّ خِلَافَ عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى تَعْطِيلٌ وَخِلَافَ تَقْوَاهُ تَشْرِيكٌ وَكِلَاهُمَا شَرٌّ عَقْلًا وَاعْتِبَارًا، أَمَّا عَقْلًا فَلِأَنَّ الْمُمْكِنَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُؤَثِّرٍ لَا يَكُونُ مُمْكِنًا قَطْعًا لِلتَّسَلْسُلِ وَهُوَ وَاجِبُ الْوُجُودِ فَلَا تَعْطِيلَ إِذْ لَنَا إِلَهٌ، وَأَمَّا التَّشْرِيكُ فَبُطْلَانُهُ عَقْلًا وَكَوْنُ خِلَافِهِ خَيْرًا وَهُوَ أَنَّ شَرِيكَ الْوَاجِبِ إِنْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا فَكَيْفَ يَكُونُ شَرِيكًا وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا لَزِمَ وُجُودُ وَاجِبَيْنِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْوُجُوبِ وَيَتَبَايَنَانِ فِي الْإِلَهِيَّةِ، وَمَا بِهِ الِاشْتِرَاكُ غَيْرُ مَا بِهِ الِامْتِيَازُ فَيَلْزَمُ التَّرْكِيبُ فِيهِمَا فَلَا يَكُونَانِ وَاجِبَيْنِ لِكَوْنِهِمَا مُرَكَّبَيْنِ فَيَلْزَمُ التَّعْطِيلُ، وَإِمَّا اعتبارا فلأن الشرف بأن يَكُونَ مَلَكًا أَوْ قَرِيبَ مَلَكٍ، لَكِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَكُونُ مَلَكًا لِلسَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِينَ/ فَأَعْلَى دَرَجَاتِهِ أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ الْمَلَكِ لَكِنَّ الْقُرْبَةَ بِالْعِبَادَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [الْعَلَقِ: 19] .
وَقَالَ:
«لَنْ يَتَقَرَّبَ الْمُتَقَرِّبُونَ إِلَيَّ بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِمْ»
وَقَالَ: «لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ بِالْعِبَادَةِ إِلَيَّ»
فَالْمُعَطِّلُ لَا مَلَكٌ وَلَا قَرِيبُ مَلَكٍ لِعَدَمِ اعْتِقَادِهِ بِمِلْكٍ فَلَا مَرْتَبَةَ لَهُ أَصْلًا، وَأَمَّا التَّشْرِيكُ فَلِأَنَّ مَنْ يَكُونُ سَيِّدُهُ لَا نَظِيرَ لَهُ يَكُونُ أَعْلَى رُتْبَةً مِمَّنْ يَكُونُ سَيِّدُهُ لَهُ شُرَكَاءُ خَسِيسَةُ، فَإِذَنْ مَنْ يَقُولُ إِنَّ رَبِّي لَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ أَعْلَى مَرْتَبَةً مِمَّنْ يَقُولُ سَيِّدِي صَنَمٌ مَنْحُوتٌ عَاجِزٌ مِثْلُهُ، فَثَبَتَ أَنَّ عِبَادَةَ اللَّهِ وَتَقْوَاهُ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أَيْ خَيْرٌ لِلنَّاسِ إِنْ كَانُوا يَعْلَمُونَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالِاعْتِبَارَاتِ.

[سورة العنكبوت (29) : آية 17]
إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً.
ذَكَرَ بُطْلَانَ مَذْهَبِهِمْ بِأَبْلَغِ الْوُجُوهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْبُودَ إِنَّمَا يُعْبَدُ لِأَحَدِ أُمُورٍ، إِمَّا لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقًّا لِلْعِبَادَةِ بِذَاتِهِ كَالْعَبْدِ يَخْدُمُ سَيِّدَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ سَوَاءٌ أَطْعَمَهُ مِنَ الْجُوعِ أَوْ مَنَعَهُ مِنَ الْهُجُوعِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ نَافِعًا فِي الْحَالِ كَمَنْ يَخْدُمُ غَيْرَهُ لِخَيْرٍ يُوَصِّلُهُ إِلَيْهِ كَالْمُسْتَخْدِمِ بِأُجْرَةٍ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ نَافِعًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَنْ يَخْدُمُ غَيْرَهُ مُتَوَقِّعًا مِنْهُ أَمْرًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِمَّا لِكَوْنِهِ خَائِفًا مِنْهُ. فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ لِذَاتِهَا لِكَوْنِهَا أَوْثَانًا لَا شَرَفَ لَهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ.
إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْحَالِ وَفِي الْمَآلِ، وَهَذَا لِأَنَّ النَّفْعَ، إِمَّا فِي الْوُجُودِ، وَإِمَّا فِي الْبَقَاءِ لَكِنْ لَيْسَ مِنْهُمْ نَفْعٌ فِي الْوُجُودِ، لِأَنَّ وَجُودَهُمْ مِنْكُمْ حَيْثُ تَخْلُقُونَهَا وَتَنْحِتُونَهَا، وَلَا نَفْعَ فِي الْبَقَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ بِالرِّزْقِ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ ذَلِكَ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حَاصِلٌ مِنَ اللَّهِ فَقَالَ: فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ فَقَوْلُهُ: اللَّهِ إِشَارَةٌ إِلَى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 38
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست