responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 140
لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَلْقَ بَيَّنَ الْأَمْرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ [الْأَعْرَافِ: 54] وَالْعَظَمَةُ تَتَبَيَّنُ بِهِمَا فَإِنَّ مَنْ يَمْلِكُ مَمَالِيكَ كَثِيرِينَ عُظَمَاءَ تَكُونُ لَهُ عَظَمَةٌ، ثُمَّ إِذَا كَانَ أَمْرُهُ نَافِذًا فِيهِمْ يَزْدَادُ فِي أَعْيُنِ الْخَلْقِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَفَاذُ أَمْرٍ يَنْقُصُ مِنْ عَظَمَتِهِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَمْرَهُ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى عِبَادِهِ وَتَعْرُجُ إِلَيْهِ أَعْمَالُهُمُ الصَّالِحَةُ الصَّادِرَةُ عَلَى مُوَافَقَةِ ذَلِكَ الْأَمْرِ، فَإِنَّ الْعَمَلَ أَثَرُ الْأَمْرِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّ نُزُولَ الْأَمْرِ وَعُرُوجَ الْعَمَلِ فِي مَسَافَةِ أَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ وَهُوَ فِي يَوْمٍ فَإِنَّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَسِيرَةَ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ فَيَنْزِلُ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، وَيَعْرُجُ فِي مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ، فَهُوَ مِقْدَارُ أَلْفِ سَنَةٍ ثَانِيهَا: هُوَ أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى امْتِدَادِ نَفَاذِ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ نَفَذَ أَمْرُهُ غَايَةَ النَّفَاذِ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَانْقَطَعَ لَا يَكُونُ مِثْلَ مَنْ يَنْفُذُ أَمْرُهُ فِي سِنِينَ مُتَطَاوِلَةٍ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ يَعْنِي يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فِي زَمَانٍ يَوْمٌ مِنْهُ أَلْفُ سَنَةٍ، فَكَمْ يَكُونُ شَهْرٌ مِنْهُ، وَكَمْ تَكُونُ سَنَةٌ مِنْهُ، وَكَمْ يَكُونُ دَهْرٌ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قوله مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج: 4] لِأَنَّ تِلْكَ إِذَا كَانَتْ إِشَارَةً إِلَى دَوَامِ نَفَاذِ الْأَمْرِ، فَسَوَاءٌ يُعَبَّرُ بِالْأَلْفِ أَوْ بِالْخَمْسِينَ أَلْفًا لَا يَتَفَاوَتُ إِلَّا أَنَّ الْمُبَالَغَةَ تَكُونُ في الخمسين أكثر وتبين فَائِدَتَهَا فِي مَوْضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَفِي هَذِهِ لَطِيفَةٌ) وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَالَمَ الْأَجْسَامِ وَالْخَلْقِ، وَأَشَارَ إِلَى عَظَمَةِ الْمَلِكِ، وَذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَالَمَ الْأَرْوَاحِ وَالْأَمْرِ بِقَوْلِهِ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ وَالرُّوحُ من عالم الأمر كما قال تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
[الْإِسْرَاءِ: 85] وَأَشَارَ إِلَى دَوَامِهِ بِلَفْظٍ يُوهِمُ الزَّمَانَ وَالْمُرَادُ دَوَامُ الْبَقَاءِ كَمَا يُقَالُ فِي الْعُرْفِ طَالَ زَمَانُ فُلَانٍ وَالزَّمَانُ لَا يَطُولُ، وَإِنَّمَا الْوَاقِعُ فِي الزَّمَانِ يَمْتَدُّ فَيُوجَدُ فِي أَزْمِنَةٍ كَثِيرَةٍ فَيَطُولُ ذَلِكَ فَيَأْخُذُ أَزْمِنَةً كَثِيرَةً، فَأَشَارَ هُنَاكَ إِلَى عَظَمَةِ الْمُلْكِ بِالْمَكَانِ وَأَشَارَ إِلَى دوامه هاهنا بِالزَّمَانِ فَالْمَكَانُ مِنْ خَلْقِهِ وَمُلْكِهِ وَالزَّمَانُ بِحُكْمِهِ وَأَمْرِهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ:
يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فِي يَوْمٍ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ فِي يَوْمٍ وَالْيَوْمُ لَهُ ابْتِدَاءٌ وَانْتِهَاءٌ فَيَكُونُ أَمْرُهُ فِي زَمَانٍ حَادِثٍ فَيَكُونُ حَادِثًا وَبَعْضُ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ اللَّهَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى يَقُولُ بِأَنَّ أَمْرَهُ قَدِيمٌ حَتَّى الْحُرُوفِ، وَكَلِمَةِ كُنْ فَكَيْفَ فُهِمَ مِنْ كَلِمَةِ عَلَى كَوْنُهُ فِي مَكَانٍ، وَلَمْ يُفْهَمُ مِنْ كَلِمَةٍ فِي كَوْنُ أَمْرِهِ فِي زَمَانٍ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْمَلِكَ الْعَظِيمَ النَّافِذَ الْأَمْرِ غَيْرُ غَافِلٍ، فَإِنَّ الْمَلِكَ إِذَا كَانَ آمِرًا نَاهِيًا يُطَاعُ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَلَكِنْ يَكُونُ/ غَافِلًا لَا يَكُونُ مَهِيبًا عَظِيمًا كَمَا يَكُونُ مَعَ ذَلِكَ خَبِيرًا يَقِظًا لَا تَخْفَى عَلَيْهِ أُمُورُ الْمَمَالِكِ وَالْمَمَالِيكِ فَقَالَ: ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وَلَمَّا ذَكَرَ مِنْ قَبْلُ عَالَمَ الْأَشْبَاحِ بِقَوْلِهِ: خَلَقَ السَّماواتِ [السجدة: 4] وَعَالَمَ الْأَرْوَاحِ بِقَوْلِهِ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ: عالِمُ الْغَيْبِ يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْوَاحِ وَالشَّهادَةِ يَعْلَمُ مَا فِي الْأَجْسَامِ أَوْ نَقُولُ قَالَ: عالِمُ الْغَيْبِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا لَمْ يَكُنْ بَعْدُ وَالشَّهادَةِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا وُجِدَ وَكَانَ وَقَدَّمَ الْعِلْمَ بِالْغَيْبِ لِأَنَّهُ أَقْوَى وَأَشَدُّ إِنْبَاءٍ عَنْ كَمَالِ الْعِلْمِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ عَالِمٌ ذَكَرَ أَنَّهُ عَزِيزٌ قَادِرٌ عَلَى الِانْتِقَامِ مِنَ الْكَفَرَةِ رَحِيمٌ وَاسِعُ الرَّحْمَةُ عَلَى الْبَرَرَةِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ لَمَّا بَيَّنَ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى الْوَحْدَانِيَّةِ مِنَ الْآفَاقِ بِقَوْلِهِ: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما وَأَتَمَّهُ بِتَوَابِعِهِ وَمُكَمِّلَاتِهِ ذَكَرَ الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَيْهَا مِنَ الْأَنْفُسِ بِقَوْلِهِ: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ يَعْنِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَهُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 25  صفحه : 140
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست