responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 569
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا تَكَلَّمَ فِي حَالِ الْمَبْدَأِ تَكَلَّمَ بَعْدَهُ فِي حَالِ الْمَعَادِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّكَّ فِي الْمَعَادِ لَا يَنْشَأُ إِلَّا مِنَ الشَّكِّ فِي كَمَالِ الْقُدْرَةِ، أَوْ فِي كَمَالِ الْعِلْمِ فَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ تَعَالَى قَادِرًا عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ، وَعَالِمًا بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ، ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى يُمْكِنُهُ تَمْيِيزُ أَجْزَاءِ بَدَنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ عَنْ أَجْزَاءِ بَدَنِ غَيْرِهِ، وَثَبَتَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعِيدَ التَّرْكِيبَ وَالْحَيَاةَ إِلَيْهَا وَإِذَا ثَبَتَ إِمْكَانُ ذَلِكَ ثَبَتَ صِحَّةُ الْقَوْلِ بِالْحَشْرِ فَلَمَّا بَيَّنَ اللَّه تَعَالَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ فِيمَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ، لَا جَرَمَ لَمْ يَحْكِهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَحَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ تَعَجَّبُوا مِنْ إِخْرَاجِهِمْ أَحْيَاءً وَقَدْ صَارُوا تُرَابًا وَطَعَنُوا فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُمْ: لَقَدْ وُعِدْنا هَذَا نَحْنُ وَآباؤُنا أَيْ هَذَا كَلَامٌ كَمَا قِيلَ لَنَا فَقَدْ قِيلَ لِمَنْ/ قَبْلَنَا، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَثَرٌ فَهُوَ إِذَنْ مِنْ أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ يُرِيدُونَ مَا لَا يصح من الأخبار، فإن قيل ذكر هاهنا لَقَدْ وُعِدْنا هَذَا نَحْنُ وَآباؤُنا وَفِي آيَةٍ أخرى: لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا [المؤمنون: 83] فَمَا الْفَرْقُ؟ قُلْنَا التَّقْدِيمُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُقَدَّمَ هُوَ الْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ وَأَنَّ الْكَلَامَ سِيقَ لِأَجْلِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا كَانَ قَدْ بَيَّنَ الدَّلَالَةَ عَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ، وَمِنَ الظَّاهِرِ أَنَّ كُلَّ مَنْ أَحَاطَ بِهِمَا فَقَدْ عَرَفَ صِحَّةَ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ ثَبَتَ أَنَّهُمْ أَعْرَضُوا عَنْهَا وَلَمْ يَتَأَمَّلُوهَا، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ الْإِعْرَاضِ حُبَّ الدُّنْيَا وَحُبَّ الرِّيَاسَةِ وَالْجَاهِ وَعَدَمَ الِانْقِيَادِ لِلْغَيْرِ، لَا جَرَمَ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَانِ أَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ زَائِلَةٌ فَقَالَ: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ وَفِيهِ سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لِمَ لَمْ يَقُلْ: كَيْفَ كَانَتْ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ؟ جَوَابُهُ: لِأَنَّ تَأْنِيثَهَا غَيْرُ حَقِيقِيٍّ وَلِأَنَّ الْمَعْنَى كَيْفَ كَانَ آخِرُ أَمْرِهِمْ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: لِمَ لَمْ يَقُلْ عَاقِبَةَ الْكَافِرِينَ؟ جَوَابُهُ: الْغَرَضُ أَنْ يَحْصُلَ التَّخْوِيفُ لِكُلِّ الْعُصَاةِ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى صَبَّرَ رَسُولَهُ عَلَى مَا يَنَالُهُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ فَقَالَ: وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ فَجَمَعَ بَيْنَ إِزَالَةِ الْغَمِّ عَنْهُ بِكُفْرِهِمْ وَبَيْنَ إِزَالَةِ الْخَوْفِ مِنْ جَانِبِهِمْ، وَصَارَ ذَلِكَ كَالتَّكَفُّلِ بِنُصْرَتِهِ عَلَيْهِمْ وَقَوْلُهُ: وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ أَيْ فِي حَرَجِ قَلْبٍ يُقَالُ ضَاقَ الشَّيْءُ ضَيْقًا وَضِيقًا بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَالضَّيْقُ تَخْفِيفُ الضَّيِّقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ فِي أَمْرٍ ضَيِّقٍ مِنْ مَكْرِهِمْ الوجه الثَّانِي: لِلْكَفَّارِ قَوْلُهُمْ: مَتى هذَا الْوَعْدُ وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ ذَكَرُوا ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ فَأَجَابَ اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ: عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ وَهُوَ عَذَابُ يَوْمِ بَدْرٍ، فَزِيدَتِ اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ كَالْبَاءِ فِي وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ [الْبَقَرَةِ: 195] أَوْ ضُمِّنَ مَعْنَى فِعْلٍ يَتَعَدَّى بِاللَّامِ نَحْوُ دَنَا لَكُمْ وَأَزِفَ لَكُمْ، وَمَعْنَاهُ تَبِعَكُمْ وَلَحِقَكُمْ، وَقَرَأَ الْأَعْرَجُ رَدِفَ لَكُمْ بِوَزْنِ ذَهَبَ وَهُمَا لُغَتَانِ، وَالْكَسْرُ أفصح، وهاهنا بَحْثَانِ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: أَنَّ عَسَى وَلَعَلَّ فِي وَعْدِ الْمُلُوكِ وَوَعِيدِهِمْ يَدُلَّانِ عَلَى صِدْقِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا يَعْنُونَ بِذَلِكَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 569
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست