responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 500
حَقِيقَتِهِ وَلَا بِأَجْزَاءِ حَقِيقَتِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أن أعرف حَقِيقَتِهِ، وَأَنَا قَدْ عَرَّفْتُ حَقِيقَتَهُ بِآثَارِ حَقِيقَتِهِ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ عَاقِلًا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ لَا جَوَابَ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ إِلَّا مَا ذَكَرْتُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [18] فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ أَنَّ حَقِيقَةَ الْإِلَهِ سُبْحَانَهُ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ لِلْبَشَرِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ اسْتَحَالَ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَذْكُرَ مَا تُعْرَفُ بِهِ تِلْكَ الْحَقِيقَةُ، إِلَّا أَنَّ عَدَمَ الْعِلْمِ بِتِلْكَ الْخُصُوصِيَّةِ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الرِّسَالَةِ فَكَانَ حَاصِلُ كَلَامِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ ادِّعَاءَ رِسَالَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهُ عَلَى إِثْبَاتِ أَنَّ لِلْعَالِمِينَ رَبًّا وَإِلَهًا وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ بِخُصُوصِيَّةِ الرَّبِّ تَعَالَى وَمَاهِيَّتِهِ الْمُعَيَّنَةِ، فَكَأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يُقِيمُ الدَّلَالَةَ عَلَى إِثْبَاتِ الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهِ فِي صِحَّةِ دَعْوَى الرِّسَالَةِ، وَفِرْعَوْنُ يُطَالِبُهُ بِبَيَانِ الْمَاهِيَّةِ، وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُعْرِضُ عَنْ سُؤَالِهِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِذَلِكَ السُّؤَالِ نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا فِي هَذَا الْمَطْلُوبِ، فَهَذَا تَمَامُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْبَحْثِ واللَّه أَعْلَمُ، ثُمَّ إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا خَشَّنَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ فِرْعَوْنُ: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ فَإِنَّهُ لَمَّا عَجَزَ عَنِ الْحِجَاجِ عَدَلَ إِلَى التَّخْوِيفِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ ذَكَرَ موسى عليه السلام كلاما مجملا ليعلق قبله بِهِ فَيَعْدِلَ عَنْ وَعِيدِهِ فَقَالَ: أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ؟ أَيْ هَلْ تَسْتَجِيزُ أَنْ تَسْجُنَنِي مَعَ اقْتِدَارِي عَلَى أَنْ آتِيَكَ بِأَمْرٍ بَيِّنٍ فِي بَابِ الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُودِ اللَّه تَعَالَى وَعَلَى أَنِّي رَسُولُهُ؟ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ: فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ وهاهنا فُرُوعٌ: الْفَرْعُ الْأَوَّلُ: الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى لَيْسَ بِجِسْمٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جِسْمًا وَلَهُ صُورَةٌ لَكَانَ جَوَابُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذِكْرِ حَقِيقَتِهِ وَلَكَانَ كَلَامُ فِرْعَوْنَ لَازِمًا لَهُ لِعُدُولِهِ عَنِ الْجَوَابِ الْحَقِّ الثَّانِي: الْوَاجِبُ عَلَى مَنْ يَدْعُو غَيْرَهُ إِلَى اللَّه تَعَالَى أَنْ لَا يُجِيبَ عَنِ السَّفَاهَةِ لِأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا قَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنَّهُ مَجْنُونٌ لَمْ يَعْدِلْ عَنْ ذِكْرِ الدَّلَالَةِ وَكَذَلِكَ لَمَّا تَوَعَّدَهُ أَنْ يَسْجُنَهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمَسْئُولِ أَنْ يَعْدِلَ فِي حُجَّتِهِ مِنْ مِثَالٍ إِلَى مِثَالٍ لِإِيضَاحِ الْكَلَامِ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الِانْقِطَاعِ الرَّابِعُ: إِنْ قِيلَ:
كَيْفَ قَطَعَ الْكَلَامَ بِمَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ: أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ وَالْمُعْجِزُ لَا يَدُلُّ عَلَى اللَّه تَعَالَى كَدَلَالَةِ سَائِرِ مَا تَقَدَّمَ؟ قُلْنَا بَلْ يَدُلُّ مَا أَرَادَ أَنْ يُظْهِرَهُ مِنَ انْقِلَابِ الْعَصَا حَيَّةً عَلَى اللَّه تَعَالَى وَعَلَى تَوْحِيدِهِ، وَعَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ فِي الرِّسَالَةِ فَالَّذِي خَتَمَ بِهِ كَلَامَهُ أَقْوَى مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ وَأَجْمَعُ الْخَامِسُ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ: رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا عَلَى التَّثْنِيَةِ وَالْمَرْجُوعُ إِلَيْهِ مَجْمُوعٌ؟ جَوَابُهُ أَرِيدَ مَا بين الجهتين، فإن قيل: ذكر السموات وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا قَدِ اسْتَوْعَبَ الْخَلَائِقَ كُلَّهُمْ، فَمَا مَعْنَى ذِكْرُهُمْ وَذِكْرُ آبَائِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَذِكْرُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ؟ جَوَابُهُ: قَدْ عَمَّمَ أَوَّلًا ثُمَّ خَصَّصَ مِنَ الْعَامِّ لِلْبَيَانِ أَنْفُسَهُمْ وَآبَاءَهُمْ لِأَنَّ أَقْرَبَ الْأَشْيَاءِ مِنَ الْعَاقِلِ نَفْسُهُ وَمَنْ وُلِدَ مِنْهُ وَمَا شَاهَدَ مِنَ انْتِقَالِهِ مِنْ وَقْتِ مِيلَادِهِ إِلَى وَقْتِ وَفَاتِهِ مِنْ حَالَةٍ إِلَى/ حَالَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ خَصَّصَ الْمَشْرِقَ وَالْمَغْرِبَ لِأَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ أَحَدِ الْخَافِقَيْنِ وَغُرُوبَهَا عَلَى تَقْدِيرٍ مُسْتَقِيمٍ فِي فُصُولِ السَّنَةِ مِنْ أَظْهَرِ الدَّلَائِلِ السَّادِسُ: فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَالَ: لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ وَلَمْ يَقُلْ لَأَسْجُنَنَّكَ مَعَ أَنَّهُ أَخْصَرُ؟ جَوَابُهُ: لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَأَسْجُنَنَّكَ لَا يُفِيدُ إِلَّا صَيْرُورَتَهُ مَسْجُونًا. أَمَّا قَوْلُهُ: لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ فَمَعْنَاهُ أَنِّي أَجْعَلُكَ وَاحِدًا مِمَّنْ عَرَفْتَ حَالَهُمْ فِي سُجُونِي، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَأْخُذَ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَسْجُنَهُ فَيَطْرَحَهُ فِي بِئْرٍ عَمِيقَةٍ فَرْدًا لَا يُبْصِرُ فِيهَا وَلَا يَسْمَعُ فَكَانَ ذَلِكَ أَشَدَّ مِنَ الْقَتْلِ السَّابِعُ: الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ: أَوَلَوْ جِئْتُكَ وَاوُ الْحَالِ دَخَلَتْ عَلَيْهَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ مَعْنَاهُ أَتَفْعَلُ بِي ذَلِكَ وَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ أي جائيا بالمعجزة.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 500
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست