responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 498
اعْلَمْ أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمْ يَقُلْ لِمُوسَى وَما رَبُّ الْعالَمِينَ، إِلَّا وَقَدْ دَعَاهُ مُوسَى إِلَى طَاعَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ من قوله: أْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
[الشُّعَرَاءِ: 16] فَلَا بُدَّ عِنْدَ دُخُولِهِمَا عَلَيْهِ أَنَّهُمَا قَالَا ذَلِكَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ فِرْعَوْنُ: وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ثم هاهنا بحثان:
الْأَوَّلُ: أَنَّ فِرْعَوْنَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ كَانَ عَارِفًا باللَّه، وَلَكِنَّهُ قَالَ مَا قَالَ طَلَبًا لِلْمُلْكِ وَالرِّيَاسَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّه تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَارِفًا باللَّه، وَهُوَ قَوْلُهُ: قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْإِسْرَاءِ: 102] فَإِذَا قُرِئَ بِفَتْحِ التَّاءِ مِنْ عَلِمْتَ فَالْمُرَادُ أَنَّ فِرْعَوْنَ عَلِمَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَارِفًا باللَّه، لَكِنَّهُ كَانَ يَسْتَأْكِلُ قَوْمَهُ بِمَا يُظْهِرُهُ مِنْ/ إِلَهِيَّتِهِ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى بِرَفْعِ التَّاءِ مِنْ عَلِمْتُ فَهِيَ تَقْتَضِي أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ الَّذِي عَرَفَ ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ فِرْعَوْنَ إِنْ لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا لَمْ يَجُزْ مِنَ اللَّه تَعَالَى بَعْثَةُ الرَّسُولِ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا فَهُوَ يَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ مَا كَانَ مَوْجُودًا وَلَا حَيًّا وَلَا عَاقِلًا ثُمَّ صَارَ كَذَلِكَ، وَبِالضَّرُورَةِ يَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُؤَثِّرٍ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَتَوَلَّدَ لَهُ مِنْ هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ عِلْمٌ ثَالِثٌ بِافْتِقَارِهِ فِي تَرْكِيبِهِ وَفِي حَيَاتِهِ وَعَقْلِهِ إِلَى مُؤَثِّرٍ مُوجِدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ كَانَ عَلَى مَذْهَبِ الدَّهْرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْأَفْلَاكَ وَاجِبَةُ الْوُجُودِ فِي ذَوَاتِهَا وَمُتَحَرِّكَةٌ لِذَوَاتِهَا، وَأَنَّ حَرَكَاتِهَا أَسْبَابٌ لِحُصُولِ الْحَوَادِثِ فِي هَذَا الْعَالَمِ، أَوْ يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ الْقَائِلِينَ بِالْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لَا بِالْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ، ثُمَّ اعْتَقَدَ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِلَهِ لِأَهْلِ إِقْلِيمِهِ مِنْ حَيْثُ اسْتَعْبَدَهُمْ وَمَلَكَ ذِمَّاتِهِمْ وَزِمَامَ أَمْرِهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ كَانَ عَلَى مَذْهَبِ الْحُلُولِيَّةِ، الْقَائِلِينَ بِأَنَّ ذَاتَ الْإِلَهِ يَتَدَرَّعُ بِجَسَدِ إِنْسَانٍ مُعَيَّنٍ، حَتَّى يَكُونَ الْإِلَهُ سُبْحَانَهُ لِذَلِكَ الْجَسَدِ بِمَنْزِلَةِ رُوحِ كُلِّ إِنْسَانٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَسَدِهِ، وَبِهَذِهِ التَّقْدِيرَاتِ كَانَ يُسَمِّي نَفْسَهُ إِلَهًا.
الْبَحْثُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَما رَبُّ الْعالَمِينَ؟ وَاعْلَمْ أَنَّ السُّؤَالَ بِمَا طَلَبَ لِتَعْرِيفِ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ، وَتَعْرِيفُ حَقِيقَةِ الشَّيْءِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِنَفْسِ تِلْكَ الْحَقِيقَةِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا أَوْ بِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهَا أَوْ بِمَا يَتَرَكَّبُ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. أَمَّا تَعْرِيفُهَا بِنَفْسِهَا فَمُحَالٌ، لِأَنَّ الْمُعَرَّفَ مَعْلُومٌ قَبْلَ الْمُعَرِّفِ، فَلَوْ عَرَّفَ الشَّيْءَ بِنَفْسِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا قَبْلَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا وَهُوَ مُحَالٌ. وَأَمَّا تَعْرِيفُهَا بِالْأُمُورِ الدَّاخِلَةِ فِيهَا فَهَهُنَا فِي حَقِّ وَاجِبِ الْوُجُودِ مُحَالٌ، لِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْأُمُورِ الدَّاخِلَةِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُعَرَّفُ مُرَكَّبًا، وَوَاجِبُ الْوُجُودِ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا، لِأَنَّ كُلَّ مُرَكَّبٍ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَجْزَائِهِ فَهُوَ غَيْرُهُ، فَكُلُّ مُرَكَّبٍ مُحْتَاجٌ إِلَى غَيْرِهِ، وَكُلُّ مَا احْتَاجَ إِلَى غَيْرِهِ فَهُوَ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ، وَكُلُّ مُرَكَّبٍ فَهُوَ مُمْكِنٌ، فَمَا لَيْسَ بِمُمْكِنٍ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا، فَوَاجِبُ الْوُجُودِ لَيْسَ بِمُرَكَّبٍ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مُرَكَّبًا اسْتَحَالَ تَعْرِيفُهُ بِأَجْزَائِهِ، وَلَمَّا بَطَلَ هَذَانِ الْقِسْمَانِ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعْرِيفُ مَاهِيَّةِ وَاجِبِ الْوُجُودِ إِلَّا بِلَوَازِمِهِ وَآثَارِهِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّوَازِمَ قَدْ تَكُونُ خَفِيَّةً، وَقَدْ تَكُونُ جَلِيَّةً، وَلَا يَجُوزُ تَعْرِيفُ الْمَاهِيَّةِ بِاللَّوَازِمِ الْخَفِيَّةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهَا بِاللَّوَازِمِ الْجَلِيَّةِ، وَأَظْهَرُ آثَارِ ذَاتِ وَاجِبِ الْوُجُودِ هو هذا العالم المحسوس وهو السموات وَالْأَرْضُ وَمَا بَيْنَهُمَا فَقَدْ ثَبَتَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 24  صفحه : 498
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست