responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 22  صفحه : 31
وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ الْكُلُّ فِي الْوُجُودِ لَمَا بَقِيَ فِيهِ تَمْيِيزٌ فَلَا يَتَمَيَّزُ الْقَادِرُ عن الْمُوجِبِ وَالْقُدْرَةُ كَمَالٌ وَالْإِيجَابُ بِالطَّبْعِ نُقْصَانٌ، فَلِهَذِهِ الْأَسْبَابِ أَخْرَجَ بَعْضَ الْمُمْكِنَاتِ إِلَى الْوُجُودِ فَإِنْ قِيلَ عَلَيْهِ سُؤَالَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَوْجُودَاتِ مُتَنَاهِيَةٌ وَالْمَعْدُومَاتِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ وَلَا نِسْبَةَ لِلْمُتَنَاهِي/ إِلَى غَيْرِ الْمُتَنَاهِي، فَتَكُونُ أَيْضًا الضِّيَافَةُ ضِيَافَةً لِلْأَقَلِّ، وَأَمَّا الْحِرْمَانُ فَإِنَّهُ عَدَدٌ لِمَا لَا نِهَايَةَ لَهُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ وُجُودًا. الثَّانِي: أَنَّ الْبَعْضَ الَّذِي خَصَّهُ بِهَذِهِ الضِّيَافَةِ إِنْ كَانَ لِاسْتِحْقَاقٍ حَصَلَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ فَذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ مِمَّنْ حَصَلَ؟ وَإِنْ كَانَ لَا لِهَذَا الِاسْتِحْقَاقِ كَانَ ذَلِكَ عَبَثًا وَهُوَ مُحَالٌ كَمَا قِيلَ:
«يُعْطِي وَيَمْنَعُ لَا بُخْلًا وَلَا كَرَمًا»
وَإِنَّهُ لَا يَلِيقُ بِأَكْرَمِ الْأَكْرَمِينَ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْكُلِّ أَنَّ هَذِهِ الشُّبُهَاتِ إِنَّمَا تَدُورُ فِي الْعُقُولِ وَالْخَيَالَاتِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يُحَاوِلُ قِيَاسَ فِعْلِهِ عَلَى فِعْلِنَا، وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ. إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَهَذَا الْوُجُودُ الْفَائِضُ مِنْ نُورِ رَحْمَتِهِ عَلَى جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ هُوَ الضِّيَافَةُ الْعَامَّةُ وَالْمَائِدَةُ الشَّامِلَةُ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ:
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الْأَعْرَافِ: 156] ثُمَّ إِنَّ الْمَوْجُودَاتِ انْقَسَمَتْ إِلَى الْجَمَادَاتِ وَإِلَى الْحَيَوَانَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَمَادَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَانِ كَالْعَدَمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوُجُودِ لِأَنَّ الْجَمَادَ لَا خَبَرَ عِنْدَهُ مِنْ وُجُودِهِ فَوُجُودُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَالْعَدَمِ وَعَدَمُهُ كَالْوُجُودِ، وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَهُوَ الَّذِي يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَيَتَفَاوَتَانِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَلِأَنَّ الْجَمَادَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَيَوَانِ آلَةٌ لِأَنَّ الْحَيَوَانَاتِ تَسْتَعْمِلُ الْجَمَادَاتِ فِي أَغْرَاضِ أَنْفُسِهَا وَمَصَالِحِهَا وَهِيَ كَالْعَبْدِ الْمُطِيعِ الْمُسَخَّرِ وَالْحَيَوَانُ كَالْمَالِكِ الْمُسْتَوْلِي، فَكَانَتِ الْحَيَوَانِيَّةُ أَفْضَلَ مِنَ الْجَمَادِيَّةِ فَكَمَا أَنَّ إِحْسَانَ اللَّه وَرَحْمَتَهُ اقْتَضَيَا وَضْعَ مَائِدَةِ الْوُجُودِ لِبَعْضِ الْمَعْدُومَاتِ دُونَ الْبَعْضِ كَذَلِكَ اقْتَضَيَا وَضْعَ مَائِدَةِ الْحَيَاةِ لِبَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ دُونَ الْبَعْضِ، فَلَا جَرَمَ جَعَلَ بَعْضَ الْمَوْجُودَاتِ أَحْيَاءً دُونَ الْبَعْضِ. وَالْحَيَاةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجَمَادِيَّةِ كَالنُّورِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الظُّلْمَةِ وَالْبَصَرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَمَى والوجود بالنسبة إلى العدم، فعدن ذَلِكَ صَارَ بَعْضُ الْمَوْجُودَاتِ حَيًّا مُدْرِكًا لِلْمُنَافِي وَالْمُلَائِمِ وَاللَّذَّةِ وَالْأَلَمِ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، فَمِنْ ثَمَّ قَالَتِ الْأَحْيَاءُ عِنْدَ ذَلِكَ: يَا رَبَّ الْأَرْبَابِ إِنَّا وَإِنْ وَجَدْنَا خِلْعَةَ الْوُجُودِ وَخِلْعَةَ الْحَيَاةِ وَشَرَّفْتَنَا بِذَلِكَ، لَكِنِ ازْدَادَتِ الْحَاجَةُ لِأَنَّا حَالَ الْعَدَمِ وَحَالَ الْجَمَادِيَّةِ مَا كُنَّا نَحْتَاجُ إِلَى الْمُلَائِمِ وَالْمُوَافِقِ وَمَا كُنَّا نَخَافُ الْمُنَافِيَ وَالْمُؤْذِيَ، وَلَمَّا حَصَلَ الْوُجُودُ وَالْحَيَاةُ احْتَجْنَا إِلَى طَلَبِ الْمُلَائِمِ وَدَفْعِ الْمُنَافِي فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَنَا قُدْرَةٌ عَلَى الْهَرَبِ وَالطَّلَبِ وَالدَّفْعِ وَالْجَذْبِ لَبَقِينَا كَالزَّمِنِ الْمُقْعَدِ عَلَى الطَّرِيقِ عُرْضَةً لِلْآفَاتِ وَهَدَفًا لِسِهَامِ الْبَلِيَّاتِ فَأَعْطِنَا مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِكَ الْقُدْرَةَ وَالْقُوَّةَ الَّتِي بِهَا نَتَمَكَّنُ مِنَ الطَّلَبِ تَارَةً وَالْهَرَبِ أُخْرَى، فَاقْتَضَتِ الرَّحْمَةُ التَّامَّةُ تَخْصِيصَ بَعْضِ الْأَحْيَاءِ بِالْقُدْرَةِ كَمَا اقْتَضَتْ تَخْصِيصَ بَعْضِ الْمَوْجُودَاتِ بِالْحَيَاةِ وَتَخْصِيصَ بَعْضِ الْمَعْدُومَاتِ بِالْوُجُودِ. فَقَالَ الْقَادِرُونَ عِنْدَ ذَلِكَ: إِلَهَنَا الْجَوَادُ الْكَرِيمُ إِنَّ الْحَيَاةَ وَالْقُدْرَةَ بِلَا عَقْلٍ لَا تَكُونُ إِلَّا لِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ إِمَّا لِلْمَجَانِينَ الْمُقَيَّدِينَ بِالسَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ، وَإِمَّا لِلْبَهَائِمِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي حَمْلِ الْأَثْقَالِ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ النُّقْصَانِ وَأَنْتَ قَدْ رَقَّيْتَنَا مِنْ حَضِيضِ النُّقْصَانِ إِلَى أَوْجِ الْكَمَالِ فَأَفِضْ عَلَيْنَا مِنَ الْعَقْلِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ مَخْلُوقَاتِكَ وَأَعَزُّ مُبْدَعَاتِكَ الَّذِي شَرَّفْتَهُ بِقَوْلِكَ: «بِكَ أُهِينُ وَبِكَ أثيب وبك أعاقب» حتى تفوز مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِكَ بِالْخِلَعِ الْكَامِلَةِ وَالْفَضِيلَةِ التَّامَّةِ فَأَعْطَاهُمُ الْعَقْلَ وَبَعَثَ فِي أَرْوَاحِهِمْ نُورَ/ الْبَصِيرَةِ وَجَوْهَرَ الْهِدَايَةِ فَعِنْدَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ فَازُوا بِالْخِلَعِ الْأَرْبَعَةِ، الْوُجُودِ وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ وَالْعَقْلِ، فَالْعَقْلُ خَاتَمُ الْكُلِّ وَالْخَاتَمُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ أَلَا تَرَى أَنَّ رَسُولَنَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ كَانَ أَفْضَلَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 22  صفحه : 31
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست