responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 22  صفحه : 193
وَقِيلَ بَلِ الْعَامِلُونَ وَالْأَوْلَى أَنَّهُمُ الْجَامِعُونَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، لِأَنَّ الْعِلْمَ كَالشَّجَرِ وَالْعَمَلَ كَالثَّمَرِ، وَالشَّجَرُ بدون الثمر غير مفيد، والقمر بِدُونِ الشَّجَرِ غَيْرُ كَائِنٍ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ رَحْمَةً فِي الدِّينِ وَفِي الدُّنْيَا، أَمَّا فِي الدِّينِ فَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بُعِثَ وَالنَّاسُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَضَلَالَةٍ، وَأَهْلُ الْكِتَابَيْنِ كَانُوا فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ لِطُولِ مُكْثِهِمْ وَانْقِطَاعِ تَوَاتُرِهِمْ وَوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي كُتُبِهِمْ فَبَعَثَ اللَّه تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ لَمْ يَكُنْ لِطَالِبِ الْحَقِّ سَبِيلٌ إِلَى الْفَوْزِ وَالثَّوَابِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَبَيَّنَ لَهُمْ سَبِيلَ الثَّوَابِ، وَشَرَعَ لَهُمُ الْأَحْكَامَ وَمَيَّزَ الْحَلَالَ مِنَ الْحَرَامِ، ثُمَّ إِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ مَنْ كَانَتْ هِمَّتُهُ طَلَبَ الْحَقِّ فَلَا يَرْكَنُ إِلَى التَّقْلِيدِ وَلَا إِلَى الْعِنَادِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَكَانَ التَّوْفِيقُ قَرِينًا لَهُ قَالَ اللَّه تَعَالَى:
قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ إِلَى قَوْلِهِ: وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى [فُصِّلَتْ: 44] وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَلِأَنَّهُمْ تَخَلَّصُوا بِسَبَبِهِ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الذُّلِّ وَالْقِتَالِ وَالْحُرُوبِ وَنُصِرُوا بِبَرَكَةِ دِينِهِ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ كَانَ رَحْمَةً وَقَدْ جَاءَ بِالسَّيْفِ وَاسْتِبَاحَةِ الْأَمْوَالِ؟ قُلْنَا: الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: إِنَّمَا جَاءَ بِالسَّيْفِ لِمَنِ اسْتَكْبَرَ وَعَانَدَ وَلَمْ يَتَفَكَّرْ وَلَمْ يَتَدَبَّرْ، وَمِنْ أَوْصَافِ اللَّه الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، ثُمَّ هُوَ مُنْتَقِمٌ مِنَ الْعُصَاةِ. وَقَالَ: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكاً [ق: 9] ثُمَّ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلْفَسَادِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَبْلَ نَبِيِّنَا كَانَ إِذَا كَذَّبَهُ قَوْمُهُ أَهْلَكَ اللَّه الْمُكَذِّبِينَ بِالْخَسْفِ وَالْمَسْخِ وَالْغَرَقِ وَأَنَّهُ تَعَالَى أَخَّرَ عَذَابَ مَنْ كَذَّبَ رَسُولَنَا إِلَى الْمَوْتِ أَوْ إِلَى الْقِيَامَةِ قَالَ تَعَالَى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الْأَنْفَالِ: 33] لَا يُقَالُ: أَلَيْسَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ [التَّوْبَةِ: 14] وَقَالَ تَعَالَى: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ [الْأَحْزَابِ: 73] لِأَنَّا نَقُولُ تَخْصِيصُ الْعَامِّ لَا يَقْدَحُ فِيهِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ فِي/ نِهَايَةِ حُسْنِ الْخُلُقِ قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [الْقَلَمِ: 4]
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ: «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: إِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً وَلَمْ أُبْعَثْ عَذَابًا»
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَغْضَبَ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ فَاجْعَلْهَا اللَّهُمَّ عَلَيْهِ صَلَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .
وَرَابِعُهَا: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَنْصَارِيُّ وَالْقَوْلَانِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ كَانَ رَحْمَةً لِلْكُلِّ لَوْ تَدَبَّرُوا فِي آيَاتِ اللَّه وَآيَاتِ رَسُولِهِ، فَأَمَّا مَنْ أَعْرَضَ وَاسْتَكْبَرَ، فَإِنَّمَا وَقَعَ فِي الْمِحْنَةِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَمَا قال:
وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ لَوْ كَانَ اللَّه تَعَالَى أَرَادَ مِنَ الْكَافِرِينَ الْكُفْرَ وَلَمْ يُرِدْ مِنْهُمُ الْقَبُولَ مِنَ الرَّسُولِ، بَلْ مَا أَرَادَ مِنْهُمْ إِلَّا الرَّدَّ عَلَيْهِ وَخَلَقَ ذَلِكَ فِيهِمْ وَلَمْ يَخْلُقْهُمْ إِلَّا كَذَلِكَ كَمَا يَقُولُهُ أَهْلُ السُّنَّةِ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِرْسَالُهُ نِقْمَةً وَعَذَابًا عَلَيْهِمْ لَا رَحْمَةً وَذَلِكَ عَلَى خِلَافِ هَذَا النَّصِّ، لَا يُقَالُ: إِنَّ رِسَالَتَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَحْمَةٌ لِلْكُفَّارِ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُعَجِّلْ عَذَابَهُمْ فِي الدُّنْيَا، كَمَا عَجَّلَ عَذَابَ سَائِرِ الْأُمَمِ، لِأَنَّا نَقُولُ: إِنَّ كَوْنَهُ رَحْمَةً لِلْجَمِيعِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ لِلْكُفَّارِ فَهُوَ حَاصِلٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْضًا، فَإِذًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ رَحْمَةً لِلْكَافِرِينَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي صَارَ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي ذَكَرُوهُ مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا كَانَتْ حَاصِلَةً لِلْكُفَّارِ قَبْلَ بَعْثَتِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَحُصُولِهَا بَعْدَهُ، بَلْ كَانَتْ نِعَمُهُمْ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ بَعْثَتِهِ أَعْظَمَ لِأَنَّ بَعْدَ بَعْثَتِهِ نَزَلَ بِهِمُ الْغَمُّ وَالْخَوْفُ مِنْهُ، ثُمَّ أُمِرَ بِالْجِهَادِ الَّذِي فَنِيَ أَكْثَرُهُمْ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ. وَالْجَوَابُ: أَنْ نَقُولَ لَمَّا عَلِمَ اللَّه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ أَبَا لَهَبٍ لَا

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 22  صفحه : 193
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست