responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 22  صفحه : 101
بَيْنَ الْعِوَجِ وَالْعَوَجِ فَقَالُوا: الْعِوَجُ بِالْكَسْرِ فِي الْمَعَانِي وَالْعَوَجُ بِالْفَتْحِ فِي الْأَعْيَانِ، فَإِنْ قِيلَ: الْأَرْضُ عَيْنٌ فَكَيْفَ صَحَّ فِيهَا الْمَكْسُورُ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا: اخْتِيَارُ هَذَا اللَّفْظِ لَهُ مَوْقِعٌ بَدِيعٌ فِي وَصْفِ الْأَرْضِ بِالِاسْتِوَاءِ وَنَفْيِ الِاعْوِجَاجِ، وَذَلِكَ لِأَنَّكَ لَوْ عَمَدْتَ إِلَى قِطْعَةِ/ أَرْضٍ فَسَوَّيْتَهَا وَبَالَغْتَ فِي التَّسْوِيَةِ فَإِذَا قَابَلْتَهَا الْمَقَايِيسَ الْهَنْدَسِيَّةَ وَجَدْتَ فِيهَا أَنْوَاعًا مِنَ الْعِوَجِ خَارِجَةً عَنِ الْحِسِّ الْبَصَرِيِّ قَالَ فَذَاكَ الْقَدْرُ فِي الِاعْوِجَاجِ لَمَّا لَطُفَ جِدًّا أُلْحِقَ بِالْمَعَانِي فَقِيلَ فِيهِ: عِوَجٌ بِالْكَسْرِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمَ كُرَةً حَقِيقِيَّةً لِأَنَّ الْمُضَلَّعَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَتَّصِلَ بَعْضُ سُطُوحِهِ بِالْبَعْضِ لَا عَلَى الِاسْتِقَامَةِ بَلْ عَلَى الِاعْوِجَاجِ وَذَلِكَ يُبْطِلُهُ ظَاهِرُ الْآيَةِ. وَرَابِعُهَا: الْأَمْتُ النُّتُوءُ الْيَسِيرُ، يُقَالُ: مَدَّ حَبْلَهُ حَتَّى مَا فِيهِ أَمْتٌ وَتَحَصَّلَ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْأَرْبَعِ أَنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمَ مَلْسَاءَ خَالِيَةً عَنِ الِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ وَأَنْوَاعِ الِانْحِرَافِ وَالِاعْوِجَاجِ.
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ: لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَفِي الدَّاعِي قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ ذَلِكَ الدَّاعِيَ هُوَ النَّفْخُ فِي الصُّورِ وَقَوْلُهُ: لَا عِوَجَ لَهُ أَيْ لَا يَعْدِلُ عَنْ أَحَدٍ بِدُعَائِهِ بَلْ يَحْشُرُ الْكُلَّ. الثَّانِي: أَنَّهُ مَلَكٌ قَائِمٌ عَلَى صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يُنَادِي وَيَقُولُ: أَيَّتُهَا الْعِظَامُ النَّخِرَةُ، وَالْأَوْصَالُ الْمُتَفَرِّقَةُ، وَاللُّحُومُ الْمُتَمَزِّقَةُ، قَوْمِي إِلَى رَبِّكِ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ. فَيَسْمَعُونَ صَوْتَ الدَّاعِي فَيَتْبَعُونَهُ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ إِسْرَافِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَضَعُ قَدَمَهُ عَلَى الصَّخْرَةِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الدُّعَاءُ يَكُونُ قَبْلَ الْإِحْيَاءِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قُلْنَا: إِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِالدُّعَاءِ إِعْلَامَهُمْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِحْيَاءِ لِأَنَّ دُعَاءَ الْمَيِّتِ عَبَثٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ إِعْلَامَهُمْ بَلِ الْمَقْصُودُ مَقْصُودٌ آخَرُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لُطْفًا لِلْمَلَائِكَةِ وَمَصْلَحَةً لَهُمْ فَذَلِكَ جَائِزٌ قَبْلَ الْإِحْيَاءِ.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَخَشَعَتِ الْأَصْواتُ لِلرَّحْمنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً وَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: خَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ مِنْ شِدَّةِ الْفَزَعِ وَخَضَعَتْ وَخَفِيَتْ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا وَهُوَ الذِّكْرُ الْخَفِيُّ، قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: وَقَدْ عَلِمَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ بِأَنْ لَا مَالِكَ لَهُمْ سِوَاهُ فَلَا يُسْمَعُ لَهُمْ صَوْتٌ يَزِيدُ عَلَى الْهَمْسِ وَهُوَ أَخْفَى الصَّوْتِ وَيَكَادُ يَكُونُ كَلَامًا يُفْهَمُ بِتَحْرِيكِ الشَّفَتَيْنِ لِضَعْفِهِ. وَحُقَّ لِمَنْ كَانَ اللَّه مُحَاسِبَهُ أَنْ يَخْشَعَ طَرْفُهُ وَيَضْعُفَ صَوْتُهُ وَيَخْتَلِطَ قَوْلُهُ وَيَطُولَ غَمُّهُ. وَثَانِيهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَابْنُ زَيْدٍ: الْهَمْسُ وَطْءُ الْأَقْدَامِ، فَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَسْمَعُ إِلَّا خَفْقَ الْأَقْدَامِ وَنَقْلَهَا إِلَى الْمَحْشَرِ.
الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ: يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا وَمَنْصُوبًا فَالرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الشَّفَاعَةِ بِتَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَيْ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا شَفَاعَةُ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَالنَّصْبُ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ، وَأَقُولُ: الِاحْتِمَالُ الثَّانِي أَوْلَى لِوُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَوَّلَ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْإِضْمَارِ وَتَغْيِيرِ الْأَعْرَابِ وَالثَّانِي: لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى ذَلِكَ. وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: لَا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ يُرَادُ بِهِ مَنْ يَشْفَعُ بِهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ أَحَدًا مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا شَخْصًا مَرْضِيًّا. وَالثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ دَرَجَةَ الشَّافِعِ دَرَجَةٌ عَظِيمَةٌ فَهِيَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ اللَّه لَهُ فِيهَا وَكَانَ عِنْدَ اللَّه مَرْضِيًّا، فَلَوْ حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى ذَلِكَ صَارَتْ جَارِيَةً مَجْرَى إِيضَاحِ الْوَاضِحَاتِ، أَمَّا لَوْ حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى الْمَشْفُوعِ لَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِيضَاحَ الْوَاضِحَاتِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْمُعْتَزِلَةُ/ قَالُوا: الْفَاسِقُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدَ اللَّه تَعَالَى فَوَجَبَ أَنْ لَا يَشْفَعَ الرَّسُولُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْمَشْفُوعَ لَهُ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مَرْضِيًّا عِنْدَ اللَّه. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ أَقْوَى الدَّلَائِلِ عَلَى ثبوت

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 22  صفحه : 101
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست