responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 543
الْعِبَادَةَ غَايَةُ التَّعْظِيمِ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا إِلَّا مَنْ لَهُ غَايَةُ الْإِنْعَامِ وَهُوَ الْإِلَهُ الَّذِي مِنْهُ أُصُولُ النِّعَمِ وَفُرُوعُهَا عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ [مريم: 36] وَقَالَ: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ [الْبَقَرَةِ: 28] الْآيَةَ وَكَمَا يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاشْتِغَالُ بِشُكْرِهَا مَا لَمْ تَكُنْ مُنْعِمَةً وَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ الِاشْتِغَالُ بِعِبَادَتِهَا. وَثَانِيهَا: أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَسْمَعْ وَلَمْ تُبْصِرْ وَلَمْ تُمَيِّزْ مَنْ يُطِيعُهَا عَمَّنْ يَعْصِيهَا فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي عِبَادَتِهَا، وَهَذَا يُنَبِّهُكَ عَلَى أَنَّ الْإِلَهَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ حَتَّى يَكُونَ الْعَبْدُ آمِنًا مِنْ وُقُوعِ الْغَلَطِ لِلْمَعْبُودِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ الدُّعَاءَ مُخُّ الْعِبَادَةِ فَالْوَثَنُ إِذَا لَمْ يَسْمَعْ دُعَاءَ الدَّاعِي فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ فِي عِبَادَتِهِ وَإِذَا كَانَتْ لَا تُبْصِرُ بِتَقَرُّبِ مَنْ يَقْتَرِبُ إِلَيْهَا فَأَيُّ مَنْفَعَةٍ فِي ذَلِكَ التَّقَرُّبِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ السَّامِعَ الْمُبْصِرَ الضَّارَّ النَّافِعَ أَفْضَلُ مِمَّنْ كَانَ عَارِيًا عَنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَالْإِنْسَانُ مَوْصُوفٌ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ مِنَ الْوَثَنِ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْأَفْضَلِ عِبَادَةُ الْأَخَسِّ. وَخَامِسُهَا: إِذَا كَانَتْ لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ فَلَا يُرْجَى مِنْهَا مَنْفَعَةٌ وَلَا يُخَافُ مِنْ ضَرَرِهَا فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي عِبَادَتِهَا. وَسَادِسُهَا: إِذَا كَانَتْ لَا تَحْفَظُ أَنْفُسَهَا عَنِ الْكَسْرِ وَالْإِفْسَادِ عَلَى مَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَسَّرَهَا وَجَعَلَهَا جُذَاذًا فَأَيُّ رَجَاءٍ لِلْغَيْرِ فِيهَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ عَابَ الْوَثَنَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهَا: لَا يَسْمَعُ.
وَثَانِيهَا: لَا يُبْصِرُ. وَثَالِثُهَا: لَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ: بَلِ الْإِلَهِيَّةُ لَيْسَتْ إِلَّا لِرَبِّي فَإِنَّهُ يَسْمَعُ وَيُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي وَيُبْصِرُ، كَمَا قَالَ: إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى [طَهَ: 46] وَيَقْضِي الْحَوَائِجَ: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ [النَّمْلِ: 62] واعلم أن قوله هاهنا لِمَ تَعْبُدُ
مَحْمُولٌ عَلَى نَفْسِ الْعِبَادَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْمَقَامِ الثَّالِثِ: لَا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ لَا يُقَالُ ذَلِكَ بَلِ الْمُرَادُ الطَّاعَةُ لِأَنَّهُمْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ الشَّيْطَانَ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الطَّاعَةِ وَلِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ إِذَا تَرَكْنَا الظَّاهِرَ هاهنا لِدَلِيلٍ وَجَبَ تَرْكُ الظَّاهِرِ فِي الْمَقَامِ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَإِنْ قِيلَ: إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ أَبَا إِبْرَاهِيمَ كَانَ يَعْتَقِدُ فِي تِلْكَ الْأَوْثَانِ أَنَّهَا آلِهَةٌ بِمَعْنَى أَنَّهَا قَادِرَةٌ مُخْتَارَةٌ مُوجِدَةٌ لِلنَّاسِ وَالْحَيَوَانَاتِ أَوْ يُقَالُ إِنَّهُ مَا كَانَ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ بَلْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا تَمَاثِيلُ الْكَوَاكِبِ وَالْكَوَاكِبُ هِيَ الْآلِهَةُ الْمُدَبِّرَةُ لِهَذَا الْعَالَمِ، فَتَعْظِيمُ تَمَاثِيلِ الْكَوَاكِبِ بِمُوجَبِ تَعْظِيمِ الْكَوَاكِبِ أَوْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذِهِ الْأَوْثَانَ تَمَاثِيلُ أَشْخَاصِ مُعَظَّمَةٍ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْبَشَرِ فَتَعْظِيمُهَا يَقْتَضِي كَوْنَ أُولَئِكَ الْأَشْخَاصِ شُفَعَاءَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ تِلْكَ الْأَوْثَانَ طَلْسَمَاتٌ رُكِّبَتْ بِحَسَبِ اتِّصَالَاتٍ مَخْصُوصَةٍ لِلْكَوَاكِبِ قَلَّمَا يَتَّفِقُ مِثْلُهَا، وَأَنَّهَا مُشَفَّعٌ بِهَا، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْذَارِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، فَإِنْ كَانَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ كَانَ فِي نِهَايَةِ الْجُنُونِ لِأَنَّ الْعِلْمَ بِأَنَّ هَذَا الْخَشَبَ الْمَنْحُوتَ فِي هَذِهِ الساعة ليس خالقا للسموات وَالْأَرْضِ مِنْ/ أَجْلَى الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ، فَالشَّاكُّ فِيهِ يَكُونُ فَاقِدًا لَأَجْلَى الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ فَكَانَ مَجْنُونًا وَالْمَجْنُونُ لَا يَجُوزُ إِيرَادُ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ وَالْمُنَاظَرَةُ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي فَهَذِهِ الدَّلَائِلُ لَا تَقْدَحُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَذْهَبَ إِنَّمَا يَبْطُلُ بِإِقَامَةِ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْكَوَاكِبَ لَيْسَتْ أَحْيَاءً وَلَا قَادِرَةً عَلَى خَلْقِ الْأَجْسَامِ وَخَلْقِ الْحَيَاةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الدليل المذكور هاهنا لَا يُفِيدُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبَ فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الدَّلَالَةَ عَدِيمَةُ الْفَائِدَةِ عَلَى كُلِّ التَّقْدِيرَاتِ، قُلْنَا: لَا نِزَاعَ أَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى الْعَاقِلِ أَنَّ الْخَشَبَةَ الْمَنْحُوتَةَ لَا تَصْلُحُ لِخَلْقِ الْعَالَمِ وَإِنَّمَا مَذْهَبُهُمْ هَذَا عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي، وَإِنَّمَا أَوْرَدَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذِهِ الدَّلَالَةَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ عِبَادَتَهَا تُفِيدُ نَفْعًا إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْخَاصِّيَّةِ الْحَاصِلَةِ مِنَ الطَّلْسَمَاتِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ أَنَّ الْكَوَاكِبَ تَنْفَعُ وَتَضُرُّ، فَبَيَّنَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِي طَاعَتِهَا وَلَا مَضَرَّةَ فِي الْإِعْرَاضِ عَنْهَا فَوَجَبَ أَنْ لَا تَحْسُنَ عِبَادَتُهَا. النَّوْعُ الثَّانِي: قوله: يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ وَطَمِعَ فِي التَّمَسُّكِ بِهِ أَهْلُ التَّعْلِيمِ وَأَهْلُ التَّقْلِيدِ- أَمَّا أَهْلُ التَّعْلِيمِ فَقَالُوا: إِنَّهُ أَمَرَهُ بِالِاتِّبَاعِ فِي

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 543
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست