responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 491
فَجَعَلْتُ هَذِهِ السَّفِينَةَ مَعِيبَةً لِئَلَّا يَغْصِبَهَا ذَلِكَ الظَّالِمُ فَإِنَّ ضَرَرَ هَذَا التَّخْرِيقِ أَسْهَلُ مِنَ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ ذَلِكَ الْغَصْبِ، فَإِنْ قِيلَ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ لِمِثْلِ هَذَا الْغَرَضِ، قُلْنَا هَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ أَحْوَالُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الشَّرَائِعِ فَلَعَلَّ هَذَا الْمَعْنَى كَانَ جَائِزًا فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ، وَأَمَّا فِي شَرِيعَتِنَا فَمِثْلُ هَذَا الْحُكْمِ غَيْرُ بَعِيدٍ، فَإِنَّا إِذَا عَلِمْنَا أَنَّ الَّذِينَ يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ وَيَأْخُذُونَ جَمِيعَ مِلْكِ الْإِنْسَانِ، فَإِنْ دَفَعْنَا إِلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ بَعْضَ ذَلِكَ الْمَالِ سَلِمَ الْبَاقِي فَحِينَئِذٍ يَحْسُنُ مِنَّا أَنْ نَدْفَعَ بَعْضَ مَالِ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ إِلَى قَاطِعِ الطَّرِيقِ لِيَسْلَمَ الْبَاقِي وَكَانَ هَذَا مِنَّا يُعَدُّ إِحْسَانًا إِلَى ذَلِكَ الْمَالِكِ. الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ ذَلِكَ التَّخْرِيقَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ وَاقِعًا عَلَى وَجْهٍ لَا تَبْطُلُ بِهِ تِلْكَ السَّفِينَةُ بِالْكُلِّيَّةِ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الضَّرَرُ الْحَاصِلُ مِنْ غَصْبِهَا أَبْلَغَ مِنَ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ تَخْرِيقِهَا، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ تَخْرِيقُهَا جَائِزًا. الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: لَفْظُ الْوَرَاءِ عَلَى قَوْلِهِ: وَكانَ وَراءَهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ، هَكَذَا قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَتَفْسِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ [الْجَاثِيَةِ: 10] أَيْ أَمَامِهِمْ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلًا [الْإِنْسَانِ: 27] وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ كُلَّ مَا غَابَ عَنْكَ فَقَدْ تَوَارَى عَنْكَ وَأَنْتَ مُتَوَارٍ عَنْهُ، فَكُلُّ مَا غَابَ عَنْكَ فَهُوَ وَرَاءَكَ وَأَمَامُ الشَّيْءِ وَقُدَّامُهُ إِذَا كَانَ غَائِبًا عَنْهُ مُتَوَارِيًا عَنْهُ فَلَمْ يَبْعُدْ إِطْلَاقُ لَفْظِ وَرَاءَ عَلَيْهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَلِكُ كَانَ مِنْ وَرَاءِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَرْكَبُ مِنْهُ صَاحِبُهُ وَكَانَ مَرْجِعُ السَّفِينَةِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ قَتْلُ الْغُلَامِ فَقَدْ أَجَابَ الْعَالِمُ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكانَ/ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنِ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ الْغُلَامَ كَانَ بَالِغًا وَكَانَ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَيُقْدِمُ عَلَى الْأَفْعَالِ الْمُنْكَرَةِ، وَكَانَ أَبَوَاهُ يَحْتَاجَانِ إِلَى دَفْعِ شَرِّ النَّاسِ عَنْهُ وَالتَّعَصُّبِ لَهُ وَتَكْذِيبِ مَنْ يَرْمِيهِ بِشَيْءٍ مِنَ الْمُنْكَرَاتِ وَكَانَ يَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِوُقُوعِهِمَا فِي الْفِسْقِ.
وَرُبَّمَا أَدَّى ذَلِكَ الْفِسْقُ إِلَى الْكُفْرِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ صَبِيًّا إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ صَارَ بَالِغًا لَحَصَلَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْمَفَاسِدُ، وَقَوْلُهُ: فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً وَكُفْراً الْخَشْيَةُ بِمَعْنَى الْخَوْفِ وَغَلَبَةِ الظَّنِّ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ لَهُ قَتْلَ مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ تَوَلُّدُ مِثْلِ هَذَا الْفَسَادِ مِنْهُ، وَقَوْلُهُ: أَنْ يُرْهِقَهُما طُغْياناً فِيهِ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ الْغُلَامَ يَحْمِلُ أَبَوَيْهِ عَلَى الطُّغْيَانِ وَالْكُفْرِ كَقَوْلِهِ: وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً [الْكَهْفِ: 73] أَيْ لَا تَحْمِلْنِي عَلَى عُسْرٍ وَضِيقٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَبَوَيْهِ لِأَجْلِ حُبِّ ذَلِكَ الْوَلَدِ يَحْتَاجَانِ إِلَى الذَّبِّ عَنْهُ، وَرُبَّمَا احْتَاجَا إِلَى مُوَافَقَتِهِ فِي تِلْكَ الْأَفْعَالِ الْمُنْكَرَةِ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ الْوَلَدَ كَانَ يُعَاشِرُهُمَا مُعَاشَرَةَ الطُّغَاةِ الْكُفَّارِ، فَإِنْ قِيلَ: هَلْ يَجُوزُ الْإِقْدَامُ عَلَى قَتْلِ الْإِنْسَانِ لِمِثْلِ هَذَا الظَّنِّ؟ قُلْنَا: إِذَا تَأَكَّدَ ذَلِكَ الظَّنُّ بِوَحْيِ اللَّهِ جَازَ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَأَرَدْنا أَنْ يُبْدِلَهُما رَبُّهُما خَيْراً مِنْهُ زَكاةً أَيْ أَرَدْنَا أَنْ يَرْزُقَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَدًا خَيْرًا مِنْ هَذَا الْغُلَامِ زَكَاةً أَيْ دِينًا وَصَلَاحًا، وقيل: إن ذكره الزكاة هاهنا عَلَى مُقَابَلَةِ قَوْلِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ [الكهف: 74] فَقَالَ الْعَالِمُ: أَرَدْنَا أَنْ يَرْزُقَ اللَّهُ هَذَيْنِ الْأَبَوَيْنِ خَيْرًا بَدَلًا عَنِ ابْنِهِمَا هَذَا وَلَدًا يَكُونُ خَيْرًا مِنْهُ كَمَا ذَكَرْتَهُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الزَّكَاةِ الطَّهَارَةَ فَكَأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: أَقَتَلْتَ نَفْسًا طَاهِرَةً لِأَنَّهَا مَا وَصَلَتْ إِلَى حَدِّ الْبُلُوغِ فَكَانَتْ زَاكِيَةً طَاهِرَةً مِنَ الْمَعَاصِي فَقَالَ الْعَالِمُ: إِنَّ تِلْكَ النَّفْسَ وَإِنْ كَانَتْ زَاكِيَةً طَاهِرَةً فِي الْحَالِ إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى عَلِمَ مِنْهَا أَنَّهَا إِذَا بَلَغَتْ أَقْدَمَتْ عَلَى الطُّغْيَانِ وَالْكُفْرِ فَأَرَدْنَا أَنْ يَجْعَلَ لَهُمَا وَلَدًا أَعْظَمَ زَكَاةً وَطَهَارَةً مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي يَعْلَمُ اللَّهُ مِنْهُ أَنَّهُ عِنْدَ الْبُلُوغِ لَا يُقْدِمُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَحْظُورَاتِ وَمَنْ قَالَ إِنَّ ذَلِكَ الْغُلَامَ كَانَ بَالِغًا قَالَ: الْمُرَادُ مِنْ صِفَةِ نَفْسِهِ بِكَوْنِهَا زَاكِيَةً أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ قَتْلَهُ ثُمَّ قَالَ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 491
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست