responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 474
خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ
كَوْنَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ جَاهِلِينَ بِمَا جَرَى بِهِ الْقَلَمُ فِي الْأَزَلِ مِنْ أَحْوَالِ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ. فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ السَّعِيدُ مَنْ حَكَمَ اللَّهُ بِسَعَادَتِهِ فِي الْأَزَلِ وَالشَّقِيُّ مَنْ حَكَمَ اللَّهُ بِشَقَاوَتِهِ فِي الْأَزَلِ، وَأَنْتُمْ غَافِلُونَ عَنْ أَحْوَالِ الْأَزَلِ كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَإِذَا جَهِلْتُمْ هَذِهِ الْحَالَةَ فَكَيْفَ يُمْكِنُكُمْ أَنْ تَحْكُمُوا لِأَنْفُسِكُمْ بِالرِّفْعَةِ وَالْعُلُوِّ وَالْكَمَالِ وَلِغَيْرِكُمْ بِالدَّنَاءَةِ وَالذُّلِّ، بَلْ رُبَّمَا صَارَ الْأَمْرُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى الْعَكْسِ فِيمَا حَكَمْتُمْ بِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ وَمَا كُنْتَ بِالْفَتْحِ، وَالْخِطَابُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمَعْنَى وَمَا صَحَّ لَكَ الِاعْتِضَادُ بِهِمْ، وَمَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تَعْتَزَّ بِهِمْ. وَقَرَأَ عَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ. مُتَّخِذًا الْمُضِلِّينَ بِالتَّنْوِينِ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: عُضْدًا بِسُكُونِ الضَّادِ وَنَقْلِ ضَمَّتِهَا إِلَى الْعَيْنِ، وَقُرِئَ: عَضْدًا بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الضَّادِ وَعُضُدًا بِضَمَّتَيْنِ وَعَضَدًا/ بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ عَاضِدٍ كَخَادِمٍ وَخَدَمٍ وَرَاصِدٍ وَرَصَدٍ مِنْ عَضَدَهُ إِذَا قَوَّاهُ وَأَعَانَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَرَّرَ أَنَّ الْقَوْلَ الَّذِي قَالُوهُ فِي الِافْتِخَارِ عَلَى الْفُقَرَاءِ اقْتِدَاءً بِإِبْلِيسَ عَادَ بَعْدَهُ إِلَى التَّهْوِيلِ بِأَحْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: وَيَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ وَفِيهِ أَبْحَاثٌ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَرَأَ حَمْزَةُ: (نَقُولُ) بِالنُّونِ عَطْفًا عَلَى قوله: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ وأَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً وَالْبَاقُونَ قَرَءُوا بِالْيَاءِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: وَاذْكُرْ يَوْمَ نَقُولُ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا.
الْبَحْثُ الثَّالِثُ: الْمَعْنَى وَاذْكُرْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ أَحْوَالَهُمْ وَأَحْوَالَ آلِهَتِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذْ يَقُولُ اللَّهُ لَهُمْ: نادُوا شُرَكائِيَ أَيِ ادْعُوا مَنْ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ لِي حَيْثُ أَهَّلْتُمُوهُمْ لِلْعِبَادَةِ، ادْعُوهُمْ يَشْفَعُوا لَكُمْ وَيَنْصُرُوكُمْ وَالْمُرَادُ بِالشُّرَكَاءِ الْجِنُّ فَدَعَوْهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُمْ كَيْفَ دَعَوُا الشُّرَكَاءَ لِأَنَّهُ تَعَالَى [1] بَيَّنَ ذَلِكَ فِي آيَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا [غَافِرٍ: 47] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ أَيْ لَمْ يُجِيبُوهُمْ إِلَى مَا دَعَوْهُمْ إِلَيْهِ وَلَمْ يَدْفَعُوا عَنْهُمْ ضَرَرًا وَمَا أَوْصَلُوا إِلَيْهِمْ نَفْعًا. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:
وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الْمَوْبِقُ الْمَهْلِكُ مِنْ وَبِقَ يَبِقُ وُبُوقًا وَوَبَقًا.
إِذَا هَلَكَ وَأَوْبَقَهُ غَيْرُهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا كَالْمَوْرِدِ وَالْمَوْعِدِ وَتَقْرِيرُ هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً كَالْمَلَائِكَةِ وَعِيسَى دَعَوْا هَؤُلَاءِ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ ثُمَّ حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ فَأَدْخَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ جَهَنَّمَ وَأَدْخَلَ عِيسَى الْجَنَّةَ وَصَارَ الْمَلَائِكَةُ إِلَى حَيْثُ أَرَادَ اللَّهُ مِنْ دَارِ الْكَرَامَةِ وَحَصَلَ بَيْنَ أُولَئِكَ الْكُفَّارِ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الْمَوْبِقُ وَهُوَ ذَلِكَ الْوَادِي فِي جَهَنَّمَ. الْوَجْهُ الثَّانِي: قَالَ الْحَسَنُ: (مَوْبِقًا) أَيْ عَدَاوَةً وَالْمَعْنَى عَدَاوَةٌ هِيَ فِي شِدَّتِهَا هَلَاكٌ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ: لَا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا، وَلَا بُغْضُكَ تَلَفًا. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: قَالَ الْفَرَّاءُ الْبَيْنُ الْمُوَاصَلَةُ أَيْ جَعَلْنَا مُوَاصَلَتَهُمْ فِي الدُّنْيَا هَلَاكًا فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: الْمَوْبِقُ الْبَرْزَخُ الْبَعِيدُ أَيْ جَعَلْنَا بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَعِيسَى بَرْزَخًا بَعِيدًا يَهْلِكُ فِيهِ السَّارِي لِفَرْطِ بُعْدِهِ، لِأَنَّهُمْ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ وَهُمْ فِي أَعْلَى الْجِنَانِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَفِي هَذَا الظَّنِّ قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ: أن الظن هاهنا بِمَعْنَى الْعِلْمِ وَالْيَقِينِ. وَالثَّانِي: وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ يَرَوْنَ النَّارَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ وَمُهْلَةٍ، لِشِدَّةِ مَا

[1] في الأصل النسخة الأميرية (لا أنه تعالى) ولعل ما أثبتناه هو الصواب إن شاء الله.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 474
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست