responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 377
انْفَتَلَ وَهَذَا يُضْرَبُ مَثَلًا لِلشَّيْءِ الْحَقِيرِ التَّافِهِ وَمِثْلُهُ الْقِطْمِيرُ وَالنَّقِيرُ فِي ضَرْبِ الْمَثَلِ بِهِ وَالْمَعْنَى لَا يَنْقُصُونَ مِنَ الثَّوَابِ بِمِقْدَارِ فَتِيلٍ ونظيره قوله: وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً [مريم: 60] ، فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً [طه: 112] وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ الْفَتِيلُ هُوَ الْوَسَخُ الَّذِي يَظْهَرُ بِفَتْلِ الْإِنْسَانِ إِبْهَامَهُ بِسَبَّابَتِهِ وَهُوَ فَعِيلٌ مِنَ الْفَتْلِ بِمَعْنَى مَفْتُولٌ فإن قيل لهم خَصَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ بِقِرَاءَةِ كِتَابِهِمْ مَعَ أَنَّ أَصْحَابَ الشِّمَالِ يَقْرَءُونَهُ أَيْضًا قُلْنَا الْفَرْقُ أَنَّ أَصْحَابَ الشِّمَالِ إِذَا طَالَعُوا كِتَابَهُمْ وَجَدُوهُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمُهْلِكَاتِ الْعَظِيمَةِ وَالْقَبَائِحِ الْكَامِلَةِ وَالْمَخَازِي الشَّدِيدَةِ فَيَسْتَوْلِي الْخَوْفُ وَالدَّهْشَةُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَيَثْقُلُ لِسَانُهُمْ فَيَعْجِزُوا عَنِ الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا أَصْحَابُ الْيَمِينِ فَأَمْرُهُمْ عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَثْبَتِهَا ثُمَّ لَا يَكْتَفُونَ بِقِرَاءَتِهِمْ وَحْدَهُمْ بَلْ يَقُولُ الْقَارِئُ لِأَهْلِ الحشر: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ [الْحَّاقَّةِ: 19] فَظَهَرَ الْفَرْقُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلًا وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ وَنَصْرٍ عَنِ الْكِسَائِيِّ: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى بِالْإِمَالَةِ وَالْكَسْرِ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى بِالْفَتْحِ وَقَرَأَ بِالْفَتْحِ وَالتَّفْخِيمِ فِيهِمَا ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ فِي رِوَايَةٍ بِالْإِمَالَةِ فِيهِمَا، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ الْوَجْهُ فِي تَصْحِيحِ قِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْمَى فِي الْكَلِمَةِ الْأُولَى كَوْنُهُ فِي نَفْسِهِ أَعْمَى وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ تَكُونُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ تَامَّةً فَتَقْبَلُ الْإِمَالَةَ وَأَمَّا فِي الْكَلِمَةِ الثَّانِيَةِ فَالْمُرَادُ مِنَ الْأَعْمَى أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فَكَانَتْ بِمَعْنَى أَفْعَلُ مِنْ وَبِهَذَا التَّقْدِيرِ لَا تَكُونُ لَفْظَةُ أَعْمَى تَامَّةً فَلَمْ تَقْبَلِ الْإِمَالَةَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ إِدْخَالَ الْإِمَالَةِ فِي الْأُولَى دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ وَتَرْكُهَا فِي الثَّانِيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [1] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَا شَكَّ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى عَمَى الْبَصَرِ بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ عَمَى الْقَلْبِ، أَمَّا قَوْلُهُ: فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى فَفِيهِ قَوْلَانِ: الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَيْضًا عَمَى الْقَلْبِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَفِيهِ وُجُوهٌ. الْأَوَّلُ: قَالَ عِكْرِمَةُ: جَاءَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ/ الْيَمَنِ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: اقْرَأْ مَا قَبْلَهَا فَقَرَأَ رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ إلى قوله تَفْضِيلًا [الإسراء: 66- 70] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَنْ كَانَ أَعْمَى فِي هَذِهِ النِّعَمِ الَّتِي قَدْ رَأَى وَعَايَنَ فَهُوَ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ الَّتِي لَمْ يَرَ وَلَمْ يُعَايِنْ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَوْلُهُ: فِي هذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى النِّعَمِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَثَانِيًا: رَوَى أَبُو رَوْقٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا أَعْمَى عَمَّا يُرَى مِنْ قدرتي في خلق السموات وَالْأَرْضِ وَالْبِحَارِ وَالْجِبَالِ وَالنَّاسِ وَالدَّوَابِّ فَهُوَ عَنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا وَأَبْعَدُ عَنْ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ بِهِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَوْلُهُ وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى الدُّنْيَا وَعَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا أَعْمَى الْقَلْبِ عَنْ مَعْرِفَةِ هَذِهِ النِّعَمِ وَالدَّلَائِلِ فَبِأَنْ يَكُونَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى الْقَلْبِ عَنْ مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الْآخِرَةِ أَوْلَى فَالْعَمَى فِي الْمَرَّتَيْنِ حَصَلَ فِي الدُّنْيَا. وَثَالِثُهَا: قَالَ الْحَسَنُ مَنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا ضَالًّا كَافِرًا فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا لِأَنَّهُ فِي الدُّنْيَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَفِي الْآخِرَةِ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَفِي الدُّنْيَا يَهْتَدِي إِلَى التَّخَلُّصِ مِنْ أَبْوَابِ الْآفَاتِ وَفِي الْآخِرَةِ لَا يَهْتَدِي إِلَى ذَلِكَ الْبَتَّةَ. وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْعَمَى الثاني على

[1] لم يجوز النحاة أفعل التفضيل من أعمى لأن الوصف رباعي والعمى مما لا تفاوت فيه وألزموا أن يقال أشد أو أكثر.
فأعمى الأولى يصف بالعمى كالثانية لكن التفاوت في الثانية يفهم من قوله تعالى: وَأَضَلُّ سَبِيلًا.
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 21  صفحه : 377
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست