responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 353
فَإِنْ قِيلَ: مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَوْ خَلْقاً.
قُلْنَا: الْمُرَادُ أَنَّ كَوْنَ الْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ قَابِلًا لِلْحَيَاةِ أَمْرٌ مُسْتَبْعَدٌ، فَقِيلَ لَهُمْ: فَافْرِضُوا شَيْئًا آخَرَ أَبْعَدَ عَنْ قَبُولِ الْحَيَاةِ مِنَ الْحَجَرِ وَالْحَدِيدِ بِحَيْثُ يَسْتَبْعِدُ عَقْلُكُمْ كَوْنَهُ قَابِلًا لِلْحَيَاةِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى أَنْ يَتَعَيَّنَ ذَلِكَ الشَّيْءُ، لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ أَبْدَانَ النَّاسِ وَإِنِ انْتَهَتْ بَعْدَ مَوْتِهَا إِلَى أَيِّ صِفَةٍ فُرِضَتْ وَأَيِّ حَالَةٍ قُدِّرَتْ وَإِنْ كَانَتْ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ قَبُولِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ الْحَيَاةِ إِلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ هَذَا الْمَعْنَى فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَعْيِينِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمُرَادُ مِنْهُ الْمَوْتُ، يَعْنِي لَوْ صَارَتْ أَبْدَانُكُمْ نَفْسَ الْمَوْتِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِيدُ الْحَيَاةَ إِلَيْهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إِنَّمَا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ:
لَوْ كَنْتَ عَيْنَ الْحَيَاةِ فَاللَّهُ يُمِيتُكُ وَلَوْ كَنْتَ عَيْنَ الْغِنَى فَإِنَّ اللَّهَ يُفْقِرُكَ، فَهَذَا قَدْ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ، أَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَهَذَا مُحَالٌ، لِأَنَّ أَبْدَانَ النَّاسِ أَجْسَامٌ وَالْمَوْتَ عَرَضٌ وَالْجِسْمَ لَا يَنْقَلِبُ عَرَضًا ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَنْقَلِبَ عَرَضًا فَالْمَوْتُ لَا يَقْبَلُ الْحَيَاةَ لِأَنَّ أَحَدَ الضِّدَّيْنِ يَمْتَنِعُ اتِّصَافُهُ بِالضِّدِّ الْآخَرِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ.
ثُمَّ قَالَ: فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمَّا قَالَ لَهُمْ: كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا أَوْ شَيْئًا أَبْعَدَ فِي قَبُولِ الْحَيَاةِ مِنْ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ فَإِنَّ إِعَادَةَ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ مُمْكِنَةٌ فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالُوا: مَنْ هَذَا الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى إِعَادَةِ الْحَيَاةِ إِلَيْهِ، قَالَ تَعَالَى قُلْ يَا مُحَمَّدُ: الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ الْإِعَادَةِ فَرْعٌ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ خَالِقَ الْحَيَوَانَاتِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَنَقُولُ: إِنَّ تِلْكَ الْأَجْسَامَ قَابِلَةٌ لِلْحَيَاةِ وَالْعَقْلِ وَإِلَهُ الْعَالَمِ قَادِرٌ لِذَاتِهِ عَالِمٌ لِذَاتِهِ فَلَا يَبْطُلُ عِلْمُهُ وَقُدْرَتُهُ الْبَتَّةَ، فَالْقَادِرُ عَلَى الِابْتِدَاءِ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى قَادِرًا عَلَى الْإِعَادَةِ، وَهَذَا كَلَامٌ تَامٌّ وَبُرْهَانٌ قَوِيٌّ.
ثُمَّ قال تعالى: فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ قَالَ الْفَرَّاءُ يُقَالُ: أَنَغَضَ فُلَانٌ رَأْسَهُ يُنْغِضُهُ إِنْغَاضًا إِذَا حَرَّكَهُ إِلَى فَوْقُ وَإِلَى أَسْفَلُ وَسُمِّيَ الظَّلِيمُ نَغْضًا لِأَنَّهُ يُحَرِّكُ رَأْسَهُ، وَقَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا أُخْبِرَ بِشَيْءٍ فَحَرَّكَ رَأْسَهُ إِنْكَارًا لَهُ قَدْ أَنْغَضَ رَأْسَهُ فقوله: فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ يَعْنِي يُحَرِّكُونَهَا عَلَى سَبِيلِ التَّكْذِيبِ وَالِاسْتِبْعَادِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ مَتى هُوَ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُمْ حَكَمُوا بِامْتِنَاعِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ بِنَاءً عَلَى الشُّبْهَةِ الَّتِي حَكَيْنَاهَا، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَّنَ بِالْبُرْهَانِ الْبَاهِرِ كَوْنَهُ مُمْكِنًا فِي نَفْسِهِ، فَقَوْلُهُمْ مَتى هُوَ كَلَامٌ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْبَحْثِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ كَوْنُهُ مُمْكِنَ الْوُجُودِ فِي نَفْسِهِ وَجَبَ الِاعْتِرَافُ بِإِمْكَانِهِ، فَأَمَّا أَنَّهُ مَتَى يُوجَدُ فَذَاكَ لَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَقْلِ، بَلْ إِنَّمَا يُمْكِنُ إِثْبَاتُهُ بِالدَّلَائِلِ السَّمْعِيَّةِ فَإِنْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ عُرِفَ/ وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَا يُطْلِعُ أَحَدًا مِنَ الْخَلْقِ عَلَى وَقْتِهِ الْمُعَيَّنِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لُقْمَانَ: 34] وَقَالَ: إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي [الْأَعْرَافِ: 187] وَقَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها [طه: 15] فَلَا جَرَمَ قَالَ تَعَالَى: قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً قَالَ الْمُفَسِّرُونَ عَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَرِيبٌ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 353
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست