responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 347
هَذَا التَّعَالِي لَيْسَ هُوَ التَّعَالِي فِي الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ، لِأَنَّ التَّعَالِيَ عَنِ الشَّرِيكِ وَالنَّظِيرِ وَالنَّقَائِصِ وَالْآفَاتِ لَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُهُ بِالتَّعَالِي بِالْمَكَانِ وَالْجِهَةِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ لَفْظَ التَّعَالِي فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مُفَسَّرٍ بِالْعُلُوِّ بِحَسَبِ الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: جَعَلَ الْعُلُوَّ مَصْدَرَ التَّعَالِي فَقَالَ تَعَالَى: عُلُوًّا كَبِيراً وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ تَعَالَى تَعَالِيًا كَبِيرًا إِلَّا أَنَّ نَظِيرَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً [نُوحٍ: 17] .
فَإِنْ قِيلَ: مَا الْفَائِدَةُ فِي وَصْفِ ذَلِكَ الْعُلُوِّ بِالْكَبِيرِ؟
قُلْنَا: لِأَنَّ الْمُنَافَاةَ بَيْنَ ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَبَيْنَ ثُبُوتِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَالشُّرَكَاءِ وَالْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ مُنَافَاةٌ بَلَغَتْ فِي الْقُوَّةِ وَالْكَمَالِ إِلَى حَيْثُ لَا تُعْقَلُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الْمُنَافَاةَ بَيْنَ الْوَاجِبِ/ لِذَاتِهِ وَالْمُمْكِنِ لِذَاتِهِ، وَبَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ، وَبَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْمُحْتَاجِ مُنَافَاةٌ لَا تُعْقَلُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا فَلِهَذَا السَّبَبِ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ الْعُلُوَّ بِالْكَبِيرِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ الْحَيَّ الْمُكَلَّفَ يُسَبِّحُ لِلَّهِ بِوَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: بِالْقَوْلِ كَقَوْلِهِ بِاللِّسَانِ سُبْحَانَ اللَّهِ.
وَالثَّانِي: بِدَلَالَةِ أَحْوَالِهِ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيسِهِ وَعِزَّتِهِ، فَأَمَّا الَّذِي لَا يَكُونُ مُكَلَّفًا مِثْلَ الْبَهَائِمِ، وَمَنْ لَا يَكُونُ حَيًّا مِثْلَ الْجَمَادَاتِ فَهِيَ إِنَّمَا تُسَبِّحُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالطَّرِيقِ الثَّانِي، لِأَنَّ التَّسْبِيحَ بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مَعَ الْفَهْمِ وَالْعِلْمِ وَالْإِدْرَاكِ وَالنُّطْقِ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي الْجَمَادِ مُحَالٌ، فَلَمْ يَبْقَ حُصُولُ التَّسْبِيحِ فِي حَقِّهِ إِلَّا بِالطَّرِيقِ الثَّانِي.
وَاعْلَمْ أَنَّا لَوْ جَوَّزْنَا فِي الْجَمَادِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا مُتَكَلِّمًا لَعَجَزْنَا عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِكَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا قَادِرًا عَلَى كَوْنِهِ حَيًّا وَحِينَئِذٍ يَفْسَدُ عَلَيْنَا بَابُ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ حَيًّا وَذَلِكَ كُفْرٌ فَإِنَّهُ يُقَالُ: إِذَا جَازَ فِي الْجَمَادَاتِ أَنْ تَكُونَ عَالِمَةً بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَتُسَبِّحُهُ مَعَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِأَحْيَاءٍ فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ عَالِمًا قَادِرًا مُتَكَلِّمًا كَوْنُهُ حَيًّا فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ كَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا قَادِرًا كَوْنُهُ حَيًّا وَذَلِكَ جَهْلٌ وَكُفْرٌ، لِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مَنْ لَيْسَ بِحَيٍّ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا قَادِرًا مُتَكَلِّمًا، هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي أَطْبَقَ الْعُلَمَاءُ الْمُحَقِّقُونَ عَلَيْهِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْجَمَادَاتِ وَأَنْوَاعَ النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ كُلَّهَا تُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى، وَاحْتَجُّوا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِمْ بِأَنْ قَالُوا: دَلَّ هَذَا النَّصُّ عَلَى كَوْنِهَا مُسَبِّحَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُ هَذَا التَّسْبِيحِ بِكَوْنِهَا دَلَائِلَ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ تَسْبِيحَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَنَا وَدَلَالَتُهَا عَلَى وُجُودِ قُدْرَةِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ مَعْلُومٌ، وَالْمَعْلُومُ مُغَايِرٌ لِمَا هُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا تُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى وَأَنَّ تَسْبِيحَهَا غَيْرُ مَعْلُومٍ لَنَا، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّسْبِيحُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُغَايِرًا لِكَوْنِهَا دَالَّةً عَلَى وُجُودِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّكَ إِذَا أَخَذْتَ تُفَّاحَةً وَاحِدَةً فَتِلْكَ التُّفَّاحَةُ مُرَكَّبَةٌ مَنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا تَتَجَزَّأُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ دَلِيلٌ تَامٌّ مُسْتَقِلٌّ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي لَا تَتَجَزَّأُ صِفَاتٌ مَخْصُوصَةٌ مِنَ الطَّبْعِ وَالطَّعْمِ وَاللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ وَالْحَيِّزِ وَالْجِهَةِ، وَاخْتِصَاصُ ذَلِكَ الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ بِتِلْكَ الصفة

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 347
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست