responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 317
وَأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّ مُسَاعَدَةَ الدُّنْيَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى رِضَا اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَحْصُلُ مَعَ أَنَّ عَاقِبَتَهَا هِيَ الْمَصِيرُ إِلَى عَذَابِ اللَّهِ وَإِهَانَتِهِ، فَهَذَا الْإِنْسَانُ أَعْمَالُهُ تُشْبِهُ طَائِرَ السَّوْءِ فِي لُزُومِهَا لَهُ وَكَوْنِهَا سَائِقَةً لَهُ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: لِمَنْ نُرِيدُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفَوْزُ بِالدُّنْيَا لِكُلِّ أَحَدٍ، بَلْ كَثِيرٌ مِنَ الْكُفَّارِ وَالضُّلَّالِ يُعْرِضُونَ عَنِ الدِّينِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا، ثُمَّ يَبْقُونَ مَحْرُومِينَ عَنِ الدُّنْيَا وَعَنِ الدِّينِ، وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ زَجْرٌ عَظِيمٌ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ الضُّلَّالِ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ الدِّينَ لِطَلَبِ الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ رُبَّمَا فَاتَتْهُمُ الدُّنْيَا فَهُمُ الْأَخْسَرُونَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَشَرَطَ تَعَالَى فِيهِ شُرُوطًا ثَلَاثَةً:
الشَّرْطُ الْأَوَّلُ: أَنْ يُرِيدَ بِعَمَلِهِ الْآخِرَةَ أَيْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ تَحْصُلْ هَذِهِ الإرادة، وهذا النِّيَّةُ لَمْ يَنْتَفِعْ بِذَلِكَ الْعَمَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى [النَّجْمِ: 39]
وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ»
وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْأَعْمَالِ اسْتِنَارَةُ الْقَلْبِ بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّتِهِ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِنْ نَوَى بِعَمَلِهِ عُبُودِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَطَلَبَ طَاعَتِهِ.
وَالشَّرْطُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: وَسَعى لَها سَعْيَها وَذَلِكَ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْفَوْزِ بِثَوَابِ الْآخِرَةِ مِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي بِهَا يُنَالُ ثَوَابُ الْآخِرَةِ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَ مِنْ بَابِ الْقُرَبِ وَالطَّاعَاتِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَعْمَالٍ بَاطِلَةٍ، فَإِنَّ الْكُفَّارَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَلَهُمْ فِيهِ تَأْوِيلَانِ:
التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ: يَقُولُونَ: إِلَهُ الْعَالَمِ أَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَقْدِرَ الْوَاحِدُ مِنَّا عَلَى إِظْهَارِ عُبُودِيَّتِهِ وَخِدْمَتِهِ فَلَيْسَ لَنَا هَذَا الْقَدْرُ وَالدَّرَجَةُ وَلَكِنْ غَايَةُ قَدْرِنَا أَنْ نَشْتَغِلَ بِعُبُودِيَّةِ بَعْضِ الْمُقَرَّبِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى، مِثْلَ أَنْ نَشْتَغِلَ بِعِبَادَةِ كَوْكَبٍ أَوْ عِبَادَةِ مَلَكٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ إِنَّ الْمَلَكَ وَالْكَوْكَبَ يَشْتَغِلُونَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهَؤُلَاءِ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهَذَا الطَّرِيقِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ فَاسِدًا فِي نَفْسِهِ لَا جَرَمَ لَمْ يَحْصُلِ الِانْتِفَاعُ بِهِ.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي لَهُمْ: أَنَّهُمْ قَالُوا: نَحْنُ اتَّخَذْنَا هَذِهِ التَّمَاثِيلَ عَلَى صُوَرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ، وَمُرَادُنَا مِنْ عِبَادَتِهَا أَنْ تَصِيرَ أُولَئِكَ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ شُفَعَاءَ لَنَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَهَذَا الطَّرِيقُ أَيْضًا فَاسِدٌ، وَأَيْضًا نُقِلَ عَنِ الْهِنْدِ: أَنَّهُمْ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَتْلِ أَنْفُسِهِمْ تَارَةً وَبِإِحْرَاقِ أَنْفُسِهِمْ أُخْرَى وَيُبَالِغُونَ فِي تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الطَّرِيقُ فَاسِدًا لَا جَرَمَ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي جَمِيعِ فِرَقِ الْمُبْطِلِينَ الَّذِينَ يَتَقَرَّبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَذَاهِبِهِمُ الْبَاطِلَةِ وَأَقْوَالِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَأَعْمَالِهِمُ الْمُنْحَرِفَةِ عَنْ قَانُونِ الصِّدْقِ وَالصَّوَابِ.
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَهَذَا الشَّرْطُ مُعْتَبَرٌ، لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي كَوْنِ أَعْمَالِ الْبِرِّ مُوجِبَةً لِلثَّوَابِ تَقَدُّمُ الْإِيمَانِ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدِ الشَّرْطُ لَمْ يَحْصُلِ الْمَشْرُوطُ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ عِنْدَ حُصُولِ هَذِهِ الشَّرَائِطِ يَصِيرُ السَّعْيُ مَشْكُورًا وَالْعَمَلُ مَبْرُورًا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّكْرَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ أُمُورٍ ثَلَاثَةٍ: اعْتِقَادُ كَوْنِهِ مُحْسِنًا فِي تِلْكَ الْأَعْمَالِ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 317
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست