responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 309
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ كِنَايَةٌ عَنْ أَنَّ كُلَّ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَضَى فِي عِلْمِهِ حُصُولُهُ، فَهُوَ لَازِمٌ لَهُ وَاصِلٌ إِلَيْهِ غَيْرُ مُنْحَرِفٍ عَنْهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْإِنْسَانِ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِهِ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ فَهُوَ وَاجِبُ الْوُقُوعِ مُمْتَنِعُ الْعَدَمِ، وَتَقْرِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ: وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ عَمَلَهُ فِي عُنُقِهِ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ لَازِمٌ لَهُ، وَمَا كَانَ لَازِمًا لِلشَّيْءِ كَانَ مُمْتَنِعَ الزَّوَالِ عَنْهُ وَاجِبَ الْحُصُولِ لَهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ ذَلِكَ الْإِلْزَامَ إِلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَلْزَمْناهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ذَلِكَ الْإِلْزَامَ إِنَّمَا صَدَرَ مِنْهُ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى [الْفَتْحِ: 26] وَهَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي الْأَبَدِ إِلَّا مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ فِي الْأَزَلِ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ
بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: فِي عُنُقِهِ كِنَايَةٌ عَنِ اللُّزُومِ كَمَا يُقَالُ: جَعَلْتُ هَذَا فِي عُنُقِكِ أَيْ قَلَّدْتُكَ هَذَا الْعَمَلَ وَأَلْزَمْتُكَ الِاحْتِفَاظَ بِهِ، وَيُقَالُ: قَلَّدْتُكَ كَذَا وَطَوَّقْتُكَ كَذَا، أَيْ صَرَفْتُهُ إِلَيْكَ وَأَلْزَمْتُهُ إِيَّاكَ، وَمِنْهُ قَلَّدَهُ السُّلْطَانُ كَذَا أَيْ صَارَتِ الْوِلَايَةُ فِي لُزُومِهَا لَهُ فِي مَوْضِعِ الْقِلَادَةِ وَمَكَانِ الطَّوْقِ، وَمِنْهُ يُقَالُ: فُلَانٌ يُقَلِّدُ فُلَانًا أَيْ جَعَلَ ذَلِكَ الِاعْتِقَادَ كَالْقِلَادَةِ الْمَرْبُوطَةِ عَلَى عُنُقِهِ. قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: وَإِنَّمَا خَصَّ الْعُنُقَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ بِهَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ خَيْرًا يَزِينُهُ أَوْ شَرًّا يَشِينُهُ، وَمَا يَزِينُ يَكُونُ كَالطَّوْقِ وَالْحُلِيِّ، وَالَّذِي يَشِينُ فَهُوَ كَالْغُلِّ، فَهَهُنَا عَمَلُهُ إِنْ كَانَ مِنَ الْخَيْرَاتِ كَانَ زِينَةً لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمَعَاصِي كَانَ كَالْغُلِّ عَلَى رَقَبَتِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً قَالَ الْحَسَنُ: يَا ابْنَ آدَمَ بَسَطْنَا لَكَ صَحِيفَةً وَوُكِّلَ بِكَ مَلَكَانِ فَهُمَا عَنْ يَمِينِكَ وَشِمَالِكَ فَأَمَّا الَّذِي عَنْ يَمِينِكَ فَيَحْفَظُ حَسَنَاتِكَ، وَأَمَّا الَّذِي عَنْ شِمَالِكَ فَيَحْفَظُ سَيِّئَاتِكَ، حَتَّى إِذَا مِتَّ طُوِيَتْ صَحِيفَتُكَ وَجُعِلَتْ مَعَكَ فِي قَبْرِكَ حَتَّى تَخْرُجَ لَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَوْلُهُ:
وَنُخْرِجُ لَهُ أَيْ مِنْ قَبْرِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ: نُخْرِجُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرَ كِتَابَهُ فِي الدُّنْيَا فَإِذَا بُعِثَ أُظْهِرَ لَهُ ذَلِكَ وَأُخْرِجَ مِنَ السَّتْرِ، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: (وَيَخْرُجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا) أَيْ يَخْرُجُ لَهُ الطَّائِرُ أَيْ عَمَلُهُ كِتَابًا مَنْشُورًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ [التكوير: 10] وقرأ ابن عامر: (يُلَقَّاهُ) مِنْ قَوْلِهِمْ: لَقَّيْتُ فُلَانًا الشَّيْءَ أَيِ اسْتَقْبَلْتُهُ بِهِ قَالَ تَعَالَى: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً [الْإِنْسَانِ: 11] وَهُوَ مَنْقُولٌ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ لَقَّيْتُ الشَّيْءَ وَلَقَّانِيهِ زَيْدٌ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: اقْرَأْ كِتابَكَ وَالتَّقْدِيرُ يُقَالُ لَهُ: وَهَذَا الْقَائِلُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَلْسِنَةِ الْمَلَائِكَةِ/ اقْرَأْ كِتابَكَ قَالَ الْحَسَنُ: يَقْرَؤُهُ أُمِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ أُمِّيٍّ،
وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: يُؤْتَى بِالْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَحِيفَتِهِ وَهُوَ يَقْرَؤُهَا وَحَسَنَاتُهُ فِي ظَهْرِهَا يَغْبِطُهُ النَّاسُ عَلَيْهَا، وَسَيِّئَاتُهُ فِي جَوْفِ صَحِيفَتِهِ وَهُوَ يَقْرَؤُهَا، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهَا أَوْبَقَتْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: «اذْهَبْ فَقَدْ غَفَرْتُهَا لَكَ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكَ» فَيَعْظُمُ سُرُورُهُ، وَيَصِيرُ مِنَ الَّذِينَ قَالَ فِي حَقِّهِمْ:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ [عَبَسَ: 38، 39] ثُمَّ يَقُولُ: هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ [الْحَاقَّةِ: 19] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً أَيْ مُحَاسِبًا. قَالَ الْحَسَنُ: عَدَلَ وَاللَّهِ فِي حَقِّكَ مَنْ جَعَلَكَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 309
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست