responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 308
[سورة الإسراء (17) : الآيات 13 الى 14]
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (13) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14)
اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ وُجُوهٌ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ: وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا كَانَ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ فَقَدْ صَارَ مَذْكُورًا وَكُلَّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ شَرْحِ أَحْوَالِ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، فَقَدْ صَارَ مَذْكُورًا وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَقَدْ أُزِيحَتِ الْأَعْذَارُ، وَأُزِيلَتِ الْعِلَلُ فَلَا جَرَمَ كُلُّ مَنْ وَرَدَ عَرْصَةَ الْقِيَامَةِ فَقَدْ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنَقُولُ لَهُ: اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ أَوْصَلَ إِلَى الْخَلْقِ أَصْنَافَ الْأَشْيَاءِ النَّافِعَةِ لَهُمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا، مِثْلَ آيَتَيِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَغَيْرِهِمَا كَانَ مُنْعِمًا عَلَيْهِمْ بِأَعْظَمِ وُجُوهِ النِّعَمِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُوبَ اشْتِغَالِهِمْ بِخِدْمَتِهِ وَطَاعَتِهِ فَلَا جَرَمَ كُلُّ مَنْ وَرَدَ عَرْصَةَ القيامة فإنه يكون مسؤولا عَنْ أَعْمَالِهِ وَأَقْوَالِهِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي تَقْرِيرِ النَّظْمِ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّهُ مَا خَلَقَ الْخَلْقَ إِلَّا لِيَشْتَغِلُوا بِعِبَادَتِهِ كَمَا قَالَ: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذَّارِيَاتِ: 56] فَلَمَّا شَرَحَ أَحْوَالَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، كَانَ الْمَعْنَى: إِنِّي إِنَّمَا خَلَقْتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِتَنْتَفِعُوا بِهَا فَتَصِيرُوا مُتَمَكِّنِينَ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِطَاعَتِي وَخِدْمَتِي، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ وَرَدَ عَرْصَةَ الْقِيَامَةِ سَأَلْتُهُ أَنَّهُ هَلْ أَتَى بِتِلْكَ الْخِدْمَةِ وَالطَّاعَةِ، أَوْ تَمَرَّدَ وَعَصَى وَبَغَى، فَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي تَقْرِيرِ النَّظْمِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي تَفْسِيرِ لَفْظِ، الطَّائِرِ، قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَرَادُوا الْإِقْدَامَ عَلَى عَمَلٍ مِنَ الْأَعْمَالِ وَأَرَادُوا أَنْ يَعْرِفُوا أَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ يَسُوقُهُمْ إِلَى خَيْرٍ أَوْ إِلَى شَرٍّ اعْتَبَرُوا أَحْوَالَ الطَّيْرِ وَهُوَ أَنَّهُ يَطِيرُ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَحْتَاجُ إِلَى إِزْعَاجِهِ، وَإِذَا طَارَ فَهَلْ يَطِيرُ مُتَيَامِنًا أَوْ مُتَيَاسِرًا أَوْ صَاعِدًا إِلَى الْجَوِّ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ الَّتِي كَانُوا يَعْتَبِرُونَهَا وَيَسْتَدِلُّونَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى أَحْوَالِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالسَّعَادَةِ وَالنُّحُوسَةِ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ سُمِّي الْخَيْرُ وَالشَّرُّ بِالطَّائِرِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِاسْمِ لَازِمِهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ يس: قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ [يس: 18] إِلَى قَوْلِهِ: قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ [يس: 19] فَقَوْلُهُ: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ أَيْ كُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ عَمَلَهُ فِي عُنُقِهِ. وَتَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْوَجْهِ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ: أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الطَّائِرُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْحَظُّ وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيهِ الْفُرْسُ الْبَخْتَ، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الطَّائِرِ مَا طَارَ لَهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَالتَّحْقِيقُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ وَخَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمِقْدَارٍ مَخْصُوصٍ مِنَ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ، وَالْعُمْرِ وَالرِّزْقِ، وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ. وَالْإِنْسَانُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَجَاوَزَ ذَلِكَ الْقَدْرَ وَأَنْ يَنْحَرِفَ عَنْهُ، بَلْ لَا بُدَّ وَأَنْ يَصِلَ إِلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ بِحَسَبِ الْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ، فَتِلْكَ الْأَشْيَاءُ الْمَقْدُورَةُ كَأَنَّهَا تَطِيرُ إِلَيْهِ وَتَصِيرُ إِلَيْهِ، فَبِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَبْعُدُ/ أَنْ يُعَبَّرَ عَنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ الْمُقَدَّرَةِ بِلَفْظِ الطَّائِرِ، فقوله:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 308
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست