responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 272
إِلَى اللَّفْظِ وَكَأَنَّهُ قِيلَ: هَبْ أَنَّهُ يَتَعَلَّمُ الْمَعَانِيَ مِنْ ذَلِكَ الْأَعْجَمِيِّ إِلَّا أَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا كَانَ مُعْجِزًا لِمَا فِي أَلْفَاظِهِ مِنَ الْفَصَاحَةِ فَبِتَقْدِيرِ أَنْ تَكُونُوا صَادِقِينَ فِي أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَلَّمُ تِلْكَ الْمَعَانِيَ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي الْمَقْصُودِ إِذِ الْقُرْآنُ إِنَّمَا كَانَ مُعْجِزًا لِفَصَاحَتِهِ وَمَا ذَكَرْتُمُوهُ لَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ الْمَقْصُودِ، وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْجَوَابَ أَرْدَفَهُ بِالتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ أَمَّا تَفْسِيرُ أَصْحَابِنَا لِهَذِهِ الْآيَةِ فَظَاهِرٌ، وَقَالَ الْقَاضِي: أَقْوَى مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَهْدِيهِمْ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ:
وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَمَّا تَرَكُوا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ إِلَى الْجَنَّةِ بَلْ يَسُوقُهُمْ إِلَى النَّارِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ كَوْنَهُمْ كَذَّابِينَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ فَقَالَ: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: الْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ الَّذِي قَالُوهُ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَصِحَّ لَمْ يَقْدَحْ فِي الْمَقْصُودِ، ثم إنه تعالى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الَّذِي قَالُوهُ لَمْ يَصِحَّ وَهُمْ كَذَبُوا فِيهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِمْ كَاذِبِينَ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَهُمْ كَافِرُونَ، وَمَتَى كَانَ/ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانُوا أَعْدَاءً لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلَامُ الْعِدَا ضَرْبٌ مِنَ الْهَذَيَانِ وَلَا شَهَادَةَ لِمُتَّهَمٍ. وَالثَّانِي: أَنَّ أَمْرَ التَّعَلُّمِ لَا يَتَأَتَّى فِي جَلْسَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَتِمُّ فِي الْخُفْيَةِ، بَلِ التَّعَلُّمُ إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا اخْتَلَفَ الْمُعَلِّمُ إِلَى الْمُتَعَلِّمِ أَزْمِنَةً مُتَطَاوِلَةً وَمُدَدًا مُتَبَاعِدَةً، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَاشْتُهِرَ فِيمَا بَيْنَ الْخَلْقِ أَنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ يَتَعَلَّمُ الْعُلُومَ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ. الثَّالِثُ: أَنَّ الْعُلُومَ الْمَوْجُودَةَ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ وَتَعَلُّمَهَا لَا يَتَأَتَّى إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُعَلِّمُ فِي غَايَةِ الْفَضْلِ وَالتَّحْقِيقِ، فَلَوْ حَصَلَ فِيهِمْ إِنْسَانٌ بَلَغَ فِي التَّعْلِيمِ وَالتَّحْقِيقِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ لَكَانَ مُشَارًا إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّدْقِيقِ فِي الدُّنْيَا، فَكَيْفَ يُمْكِنُ تَحْصِيلُ هَذِهِ الْعُلُومِ الْعَالِيَةِ وَالْمَبَاحِثِ النَّفِيسَةِ مِنْ عِنْدِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ؟
وَاعْلَمْ أَنَّ الطَّعْنَ فِي نُبُوَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الرَّكِيكَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ ظَاهِرَةً بَاهِرَةً، فَإِنَّ الْخُصُومَ كَانُوا عَاجِزِينَ عَنِ الطَّعْنِ فِيهَا، وَلِأَجْلِ غَايَةِ عَجْزِهِمْ عَدَلُوا إِلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الرَّكِيكَةِ.
المسألة الثَّانِيَةُ: فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَفْحَشِ الْفَوَاحِشِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ كَلِمَةَ «إِنَّمَا» لِلْحَصْرِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْكَذِبَ وَالْفِرْيَةَ لَا يَقْدُمُ عَلَيْهِمَا إِلَّا مَنْ كَانَ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بِآيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَّا مَنْ كَانَ كَافِرًا وَهَذَا تَهْدِيدٌ فِي النِّهَايَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: لَا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ فِعْلٌ وَقَوْلُهُ: وَأُولئِكَ هُمُ الْكاذِبُونَ اسْمٌ وَعَطْفُ الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ عَلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ قبيح فما السبب في حصوله هاهنا؟
قُلْنَا: الْفِعْلُ قَدْ يَكُونُ لَازِمًا وَقَدْ يَكُونُ مُفَارِقًا، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ [يُوسُفَ: 35] ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْفِعْلِ، تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ السِّجْنَ لَا يَدُومُ. وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [الشُّعَرَاءِ: 29] ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الِاسْمِ تَنْبِيهًا عَلَى الدَّوَامِ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى [طه: 121] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ آدَمَ عَاصٍ وَغَاوٍ، لِأَنَّ صِيغَةَ الْفِعْلِ لَا تُفِيدُ الدَّوَامَ، وَصِيغَةُ الِاسْمِ تُفِيدُهُ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 272
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست