responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 268
بِتَدْبِيرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَرَفَ أَنَّهُ تَعَالَى مُحْسِنٌ كَرِيمٌ لَا يَفْعَلُ إِلَّا الصَّوَابَ كَانَ رَاضِيًا/ بِكُلِّ مَا قَضَاهُ وَقَدَّرَهُ، وَعَلِمَ أَنَّ مَصْلَحَتَهُ فِي ذَلِكَ، أَمَّا الْجَاهِلُ فَلَا يَعْرِفُ هَذِهِ الْأُصُولَ فَكَانَ أَبَدًا فِي الْحُزْنِ وَالشَّقَاءِ. وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمُؤْمِنَ أَبَدًا يَسْتَحْضِرُ فِي عَقْلِهِ أَنْوَاعَ الْمَصَائِبِ وَالْمِحَنِ وَيُقَدِّرُ وُقُوعَهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ وُقُوعِهَا يَرْضَى بِهَا، لِأَنَّ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبٌ، فَعِنْدَ وُقُوعِهَا لَا يَسْتَعْظِمُهَا بِخِلَافِ الْجَاهِلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَافِلًا عَنْ تِلْكَ الْمَعَارِفِ، فَعِنْدَ وُقُوعِ الْمَصَائِبِ يَعْظُمُ تَأْثِيرُهَا فِي قَلْبِهِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ مُنْشَرِحٌ بِنُورِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقَلْبُ إِذَا كَانَ مَمْلُوءًا مِنْ هَذِهِ الْمَعَارِفِ لَمْ يَتَّسِعْ لِلْأَحْزَانِ الْوَاقِعَةِ بِسَبَبِ أَحْوَالِ الدُّنْيَا، أَمَّا قَلْبُ الْجَاهِلِ فَإِنَّهُ خَالٍ عَنْ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا جَرَمَ يَصِيرُ مَمْلُوءًا مِنَ الْأَحْزَانِ الْوَاقِعَةِ بِسَبَبِ مَصَائِبِ الدُّنْيَا. وَرَابِعُهَا: أَنَّ الْمُؤْمِنَ عَارِفٌ بِأَنَّ خَيْرَاتِ الْحَيَاةِ الْجُسْمَانِيَّةِ خَسِيسَةٌ فَلَا يَعْظُمُ فَرَحُهُ بِوِجْدَانِهَا وَغَمُّهُ بِفُقْدَانِهَا، أَمَّا الْجَاهِلُ فَإِنَّهُ لَا يَعْرِفُ سَعَادَةً أُخْرَى تُغَايِرُهَا فَلَا جَرَمَ يَعْظُمُ فَرَحُهُ بِوِجْدَانِهَا وَغَمُّهُ بِفُقْدَانِهَا. وَخَامِسُهَا: أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَعْلَمُ أَنَّ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَاجِبَةُ التَّغَيُّرِ سَرِيعَةُ التَّقَلُّبِ فَلَوْلَا تَغَيُّرُهَا وَانْقِلَابُهَا لَمْ تَصِلْ مِنْ غَيْرِهِ إِلَيْهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ وَاجِبَ التَّغَيُّرِ فَإِنَّهُ عِنْدَ وُصُولِهِ إِلَيْهِ لَا تَنْقَلِبُ حَقِيقَتُهُ وَلَا تَتَبَدَّلُ مَاهِيَّتُهُ، فَعِنْدَ وُصُولِهِ إِلَيْهِ يَكُونُ أَيْضًا وَاجِبَ التَّغَيُّرِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَطْبَعُ الْعَاقِلُ قَلْبَهُ عَلَيْهِ وَلَا يُقِيمُ لَهُ فِي قَلْبِهِ وَزْنًا بِخِلَافِ الْجَاهِلِ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَافِلًا عَنْ هَذِهِ الْمَعَارِفِ فَيَطْبَعُ قَلْبَهُ عَلَيْهَا وَيُعَانِقُهَا مُعَانَقَةَ الْعَاشِقِ لِمَعْشُوقِهِ فَعِنْدَ فَوْتِهِ وَزَوَالِهِ يَحْتَرِقُ قَلْبُهُ وَيَعْظُمُ الْبَلَاءُ عِنْدَهُ، فَهَذِهِ وُجُوهٌ كَافِيَةٌ فِي بَيَانِ أَنَّ عَيْشَ الْمُؤْمِنِ الْعَارِفِ أَطْيَبُ مِنْ عَيْشِ الْكَافِرِ هَذَا كُلُّهُ إِذَا فَسَّرْنَا الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ بِأَنَّهَا فِي الدُّنْيَا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ السُّدِّيِّ إِنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ إِنَّمَا تَحْصُلُ فِي الْقَبْرِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِنَّ هَذِهِ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ لَا تَحْصُلُ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ [الِانْشِقَاقِ: 6] فَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْكَدْحَ بَاقٍ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى رَبِّهِ وَذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ، وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ فِي الْجَنَّةِ فَلِأَنَّهَا حَيَاةٌ بِلَا مَوْتٍ وَغِنًى بِلَا فَقْرٍ، وَصِحَّةٌ بِلَا مَرَضٍ، وَمُلْكٌ بِلَا زَوَالٍ، وَسَعَادَةٌ بِلَا شَقَاءٍ، فَثَبَتَ أَنَّ الْحَيَاةَ الطَّيِّبَةَ لَيْسَتْ إِلَّا تِلْكَ الْحَيَاةَ، ثَمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ وقد سبق تفسيره والله أعلم.

[سورة النحل (16) : الآيات 98 الى 100]
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99) إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَالَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: 97] أَرْشَدَ إِلَى الْعَمَلِ الَّذِي بِهِ تَخْلُصُ أَعْمَالُهُ عَنِ الْوَسَاوِسِ فَقَالَ: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: الشَّيْطَانُ سَاعٍ فِي إِلْقَاءِ الْوَسْوَسَةِ فِي الْقَلْبِ حَتَّى فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ [الْحَجِّ: 52] وَالِاسْتِعَاذَةُ بِاللَّهِ مَانِعَةٌ لِلشَّيْطَانِ مِنْ إِلْقَاءِ الْوَسْوَسَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 268
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست