responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 266
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَذَّرَ فِي الْآيَةِ الْأُولَى عَنْ نَقْضِ الْعُهُودِ وَالْأَيْمَانِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، حَذَّرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّحْذِيرَ عَنْ نَقْضِ مُطْلَقِ الْأَيْمَانِ، وَإِلَّا لَزِمَ التَّكْرِيرُ الْخَالِي عَنِ الْفَائِدَةِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، بَلِ الْمُرَادُ نَهْيُ أُولَئِكَ الْأَقْوَامِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذَا الْخِطَابِ عَنْ نَقْضِ أَيْمَانٍ مَخْصُوصَةٍ أَقْدَمُوا عَلَيْهَا، فَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ نَهْيُ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ نَقْضِ عَهْدِهِ، لِأَنَّ هَذَا الوعيد وهو قَوْلُهُ: فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها لَا يَلِيقُ بِنَقْضِ عَهْدٍ قَبْلَهُ، وَإِنَّمَا يَلِيقُ بِنَقْضِ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الْإِيمَانِ بِهِ وَشَرَائِعِهِ. وَقَوْلُهُ: فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها مَثَلٌ يُذْكَرُ لِكُلِّ مَنْ وَقَعَ فِي بَلَاءٍ بَعْدَ عَافِيَةٍ، وَمِحْنَةٍ بَعْدَ نِعْمَةٍ، فَإِنَّ مَنْ نَقَضَ عَهْدَ الْإِسْلَامِ فَقَدْ سَقَطَ عَنِ الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةِ وَوَقَعَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الضَّلَالَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَذُوقُوا السُّوءَ أَيِ الْعَذَابَ: بِما صَدَدْتُمْ أَيْ بِصَدِّكُمْ: عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ أَيْ ذَلِكَ السُّوءُ الَّذِي تَذُوقُونَهُ سُوءٌ عَظِيمٌ وَعِقَابٌ شَدِيدٌ، / ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا التَّحْذِيرَ فَقَالَ:
وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا يُرِيدُ عَرَضَ الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، إِلَّا أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، يَعْنِي أَنَّكُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمْ عَلَى نَقْضِ عَهْدِ الْإِسْلَامِ خَيْرًا مِنْ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا، فَلَا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ، لِأَنَّ الَّذِي أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْبَقَاءِ عَلَى الْإِسْلَامِ خَيْرٌ وَأَفْضَلُ وَأَكْمَلُ مِمَّا يَجِدُونَهُ فِي الدُّنْيَا عَلَى نَقْضِ عَهْدِ الْإِسْلَامِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ التَّفَاوُتَ بَيْنَ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَبَيْنَ خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلِيلَ الْقَاطِعَ عَلَى أَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا يَجِدُونَهُ مِنْ طَيِّبَاتِ الدُّنْيَا فَقَالَ: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ وَفِيهِ بَحْثَانِ:
البحث الْأَوَّلُ: الْحِسُّ شَاهِدٌ بِأَنَّ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا مُنْقَطِعَةٌ، وَالْعَقْلُ دَلَّ عَلَى أَنَّ خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ بَاقِيَةٌ، وَالْبَاقِي خَيْرٌ مِنَ الْمُنْقَطِعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْمُنْقَطِعَ إِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ كَانَ خَيْرًا عَالِيًا شَرِيفًا أَوْ كَانَ خَيْرًا دَنِيًّا خَسِيسًا، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ كَانَ خَيْرًا عَالِيًا شَرِيفًا فَالْعِلْمُ بِأَنَّهُ سَيَنْقَطِعُ يَجْعَلُهُ مُنَغَّصًا حَالَ حُصُولِهِ، وَأَمَّا حَالَ حُصُولِ ذَلِكَ الِانْقِطَاعِ فَإِنَّهَا تَعْظُمُ الْحَسْرَةُ وَالْحُزْنُ، وَكَوْنُ تِلْكَ النِّعْمَةِ الْعَالِيَةِ الشَّرِيفَةِ كَذَلِكَ يُنَغِّصُ فِيهَا وَيُقَلِّلُ مَرْتَبَتَهَا وَتَفْتُرُ الرَّغْبَةُ فِيهَا، وَأَمَّا إِنْ قُلْنَا: إِنَّ تِلْكَ النِّعْمَةَ الْمُنْقَطِعَةَ كَانَتْ مِنَ الْخَيْرَاتِ الْخَسِيسَةِ فَهَمُّنَا مِنَ الظَّاهِرِ أَنَّ ذَلِكَ الْخَيْرَ الدَّائِمَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ الْخَيْرِ الْمُنْقَطِعِ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ خَيْرَاتِ الْآخِرَةِ أَفْضَلُ مِنْ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا.
البحث الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: وَما عِنْدَ اللَّهِ باقٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَاقٍ لَا يَنْقَطِعُ. وَقَالَ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ: إِنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَالْآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا آمَنَ بِاللَّهِ فَقَدِ الْتَزَمَ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَصْبِرَ عَلَى ذَلِكَ الِالْتِزَامِ وَأَنْ لَا يَرْجِعَ عَنْهُ وَأَنْ لَا يَنْقُضَهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَأْتِيَ بِكُلِّ مَا هُوَ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ وَلَوَازِمِهِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى رَغَّبَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الصَّبْرُ عَلَى مَا الْتَزَمُوهُ، فقال:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 266
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست