responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 255
قُلْنَا: الدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّ إِنْكَارَهُمْ أَمْرٌ يُسْتَبْعَدُ بَعْدَ حُصُولِ الْمَعْرِفَةِ، لِأَنَّ حَقَّ مَنْ عَرَفَ النِّعْمَةَ أَنْ يَعْتَرِفَ لَا أَنْ يُنْكِرَ. وَفِي الْمُرَادِ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: قَالَ الْقَاضِي: الْمُرَادُ بِهَا جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ النِّعَمِ، وَمَعْنَى أَنَّهُمْ أَنْكَرُوهُ هُوَ أَنَّهُمْ مَا أَفْرَدُوهُ تَعَالَى بِالشُّكْرِ وَالْعِبَادَةِ، بَلْ شَكَرُوا عَلَى تِلْكَ النِّعَمِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّمَا حَصَلَتْ هَذِهِ النِّعِمُ بِشَفَاعَةِ/ هَذِهِ الْأَصْنَامِ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ عَرَفُوا أَنَّ نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا، وَنُبُوَّتُهُ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ. الثَّالِثُ: يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا، أَيْ لَا يَسْتَعْمِلُونَهَا فِي طَلَبِ رِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى.
ثم قال تَعَالَى: وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ.
فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ، وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ مَعَ أَنَّهُ كَانَ كُلُّهُمْ كَافِرِينَ.
قُلْنَا: الْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: إِنَّمَا قَالَ: وَأَكْثَرُهُمُ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ التَّكْلِيفِ أَوْ كَانَ نَاقِصَ الْعَقْلِ مَعْتُوهًا، فَأَرَادَ بِالْأَكْثَرِ الْبَالِغِينَ الْأَصِحَّاءَ. الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْجَاحِدَ الْمُعَانِدَ، وَحِينَئِذٍ نَقُولُ إِنَّمَا قَالَ: وَأَكْثَرُهُمُ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُعَانِدًا بَلْ كَانَ جَاهِلًا بِصِدْقِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَمَا ظَهَرَ لَهُ كونه نبيا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ ذَكَرَ الْأَكْثَرَ وَالْمُرَادُ الْجَمِيعُ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ، فَذِكْرُ الْأَكْثَرِ كَذِكْرِ الْجَمِيعِ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [لقمان: 25] والله أعلم.

[سورة النحل (16) : الآيات 84 الى 85]
وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (84) وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (85)
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ مِنْ حَالِ الْقَوْمِ أَنَّهُمْ عَرَفُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ أَنْكَرُوهَا وَذَكَرَ أَيْضًا مِنْ حَالِهِمْ أَنَّ أَكْثَرَهُمُ الْكَافِرُونَ أَتْبَعَهُ بِالْوَعِيدِ، فَذَكَرَ حَالَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَالَ: وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أُولَئِكَ الشُّهَدَاءَ يَشْهَدُونَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ الْإِنْكَارِ وَبِذَلِكَ الْكُفْرِ، وَالْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ الشُّهَدَاءِ الْأَنْبِيَاءُ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً [النِّسَاءِ: 41] وَقَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا فِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الِاعْتِذَارِ لِقَوْلِهِ: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ [الْمُرْسَلَاتِ: 36] .
وَثَانِيهَا: لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي كَثْرَةِ الْكَلَامِ. وَثَالِثُهَا: لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي الْرُجُوعِ إِلَى دَارِ الدُّنْيَا وَإِلَى التَّكْلِيفِ. وَرَابِعُهَا:
لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي حَالِ شَهَادَةِ الشُّهُودِ، بَلْ يَسْكُتْ أَهْلُ الْجَمْعِ كُلُّهُمْ لِيَشْهَدَ الشُّهُودُ. وَخَامِسُهَا: لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فِي كَثْرَةِ الْكَلَامِ لِيَظْهَرَ لَهُمْ كَوْنُهُمْ/ آيِسِينَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى. ثم قال: وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ الِاسْتِعْتَابُ طَلَبُ الْعِتَابِ، وَالرَّجُلُ يَطْلُبُ الْعِتَابَ مِنْ خَصْمِهِ إِذَا كَانَ عَلَى جَزْمِ أَنَّهُ إِذَا عَاتَبَهُ رَجَعَ إِلَى الرِّضَا، فَإِذَا لَمْ يَطْلُبِ الْعِتَابَ مِنْهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ رَاسِخٌ فِي غَضَبِهِ وَسَطْوَتِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَكَّدَ هَذَا الْوَعِيدَ فَقَالَ: وَإِذا رَأَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الْعَذابَ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُشْرِكِينَ إِذَا رَأَوُا الْعَذَابَ وَوَصَلُوا إِلَيْهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ أَيْضًا يُنْظَرُونَ أَيْ لَا يُؤَخَّرُونَ وَلَا يُمْهَلُونَ، لِأَنَّ التَّوْبَةَ هُنَاكَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ، وَتَحْقِيقُهُ مَا يَقُولُهُ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَنَّ الْعَذَابَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ خَالِصًا عَنْ شَوَائِبِ النَّفْعِ، وَهُوَ المراد من قوله: فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ العذاب [البقرة: 162] وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْعَذَابُ دَائِمًا وَهُوَ الْمُرَادُ من قوله: وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 255
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست