responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 252
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: أَلَمْ تَرَوْا بِالتَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْحِكَايَةِ لِمَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنَ الْكُفَّارِ.
المسألة الثَّانِيَةُ: هَذَا دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِكْمَتِهِ، فَإِنَّهُ لَوْلَا أَنَّهُ تَعَالَى خَلَقَ الطَّيْرَ خِلْقَةً مَعَهَا يُمْكِنُهُ الطَّيَرَانُ وَخَلَقَ الْجَوَّ خِلْقَةً مَعَهَا يُمْكِنُ الطَّيَرَانُ فِيهِ لَمَا أَمْكَنَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى/ أَعْطَى الطَّيْرَ جَنَاحًا يَبْسُطُهُ مَرَّةً وَيَكْسِرُهُ أُخْرَى مِثْلَ مَا يَعْمَلُهُ السَّابِحُ فِي الْمَاءِ، وَخَلَقَ الْهَوَاءَ خِلْقَةً لَطِيفَةً رَقِيقَةً يَسْهُلُ بِسَبَبِهَا خَرْقُهُ وَالنَّفَاذُ فِيهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا كَانَ الطَّيَرَانُ مُمْكِنًا. وَأما قوله تَعَالَى: مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ فَالْمَعْنَى: أَنَّ جَسَدَ الطَّيْرِ جِسْمٌ ثَقِيلٌ، وَالْجِسْمُ الثَّقِيلُ يَمْتَنِعُ بَقَاؤُهُ فِي الْجَوِّ مُعَلَّقًا مِنْ غَيْرِ دِعَامَةٍ تَحْتَهُ وَلَا عَلَاقَةَ فَوْقَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُمْسِكُ له في ذلك الجو هو الله تعالى، ثم من الظاهر أن بقاء فِي الْجَوِّ مُعَلَّقًا فِعْلُهُ وَحَاصِلٌ بِاخْتِيَارِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ خَالِقَ فِعْلِ الْعَبْدِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ الْقَاضِي: إِنَّمَا أَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْإِمْسَاكَ إِلَى نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَعْطَى الْآلَاتِ الَّتِي لِأَجْلِهَا يُمَكِّنُ الطَّيْرَ مِنْ تِلْكَ الْأَفْعَالِ، فَلَمَّا كَانَ تَعَالَى هُوَ الْمُسَبِّبُ لِذَلِكَ لَا جَرَمَ صَحَّتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا تَرْكٌ لِلظَّاهِرِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ، لَا سِيَّمَا وَالدَّلَائِلُ الْعَقْلِيَّةُ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى.
ثم قال تَعَالَى فِي آخَرِ الْآيَةِ: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وَخَصَّ هَذِهِ الْآيَاتِ بِالْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُمْ هُمُ المنتفعون بها وإن كانت هذه الآيات آيات لكل العقلاء. والله أعلم.

[سورة النحل (16) : آية 80]
وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (80)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ، وَأَقْسَامِ النِّعَمِ والفضل، والسكن المسكن، وَأَنْشَدَ الْفَرَّاءُ:
جَاءَ الشِّتَاءُ وَلَمَّا أَتَّخِذْ سَكَنًا ... يَا وَيْحَ كَفِّي مِنْ حُفَرِ الْقَرَامِيصِ
وَالسَّكَنُ مَا سَكَنْتَ إِلَيْهِ وَمَا سَكَنْتَ فِيهِ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : السَّكَنُ فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، وَهُوَ مَا يُسْكَنُ إِلَيْهِ وَيُنْقَطَعُ إِلَيْهِ مِنْ بَيْتٍ أَوْ إِلْفٍ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْبُيُوتَ الَّتِي يَسْكُنُ الْإِنْسَانُ فِيهَا عَلَى قِسْمَيْنِ:
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: الْبُيُوتُ الْمُتَّخَذَةُ مِنَ الْخَشَبِ وَالطِّينِ وَالْآلَاتِ الَّتِي بِهَا يُمْكِنُ تَسْقِيفُ الْبُيُوتِ، / وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَهَذَا الْقِسْمُ مِنَ الْبُيُوتِ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ، بَلِ الْإِنْسَانُ يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الْقِبَابُ وَالْخِيَامُ وَالْفَسَاطِيطُ، وَإِلَيْهَا الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَهَذَا الْقِسْمُ مِنَ الْبُيُوتِ يُمْكِنُ نَقْلُهُ وَتَحْوِيلُهُ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَنْطَاعُ، وَقَدْ تَعْمَلُ الْعَرَبُ الْبُيُوتَ مِنَ الْأَدَمِ وَهِيَ جُلُودُ الْأَنْعَامِ أَيْ يَخِفُّ عَلَيْكُمْ حَمْلُهَا فِي أَسْفَارِكُمْ.
قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: يَوْمَ ظَعْنِكُمْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْبَاقُونَ سَاكِنَةَ الْعَيْنِ. قَالَ الْوَاحَدِيُّ: وَهُمَا لُغَتَانِ كَالْشَّعْرِ وَالشَّعَرِ والنهر والنهر.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 252
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست