responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 250
إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ
وَالسَّاعَةُ هِيَ الْوَقْتُ الَّذِي تَقُومُ فِيهِ الْقِيَامَةُ سُمِّيَتْ سَاعَةً لِأَنَّهَا تَفْجَأُ الْإِنْسَانَ فِي سَاعَةٍ فَيَمُوتُ الْخَلْقُ بِصَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَوْلُهُ: إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ اللَّمْحُ النَّظَرُ بِسُرْعَةٍ يُقَالُ لَمَحَهُ بِبَصَرِهِ لَمْحًا ولمحانا، والمعنى: وما أمر قيام الْقِيَامَةِ فِي السُّرْعَةِ إِلَّا كَطَرْفِ الْعَيْنِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ تَقْرِيرُ كَمَالِ الْقُدْرَةِ، وَقَوْلُهُ:
أَوْ هُوَ أَقْرَبُ مَعْنَاهُ أَنَّ لَمْحَ الْبَصَرِ عِبَارَةٌ عَنِ انْتِقَالِ الْجِسْمِ الْمُسَمَّى بِالطَّرْفِ مِنْ أَعْلَى الْحَدَقَةِ إِلَى أَسْفَلِهَا، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَدَقَةَ مُؤَلَّفَةٌ مِنْ أَجْزَاءٍ لَا تَتَجَزَّأُ، فَلَمْحُ الْبَصَرِ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُرُورِ عَلَى جُمْلَةِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ الَّتِي مِنْهَا تَأَلَّفَ سَطْحُ الْحَدَقَةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ تِلْكَ الْأَجْزَاءَ كَثِيرَةٌ، وَالزَّمَانُ الَّذِي يَحْصُلُ فِيهِ لَمْحُ الْبَصَرِ مُرَكَّبٌ مِنْ آنَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إِقَامَةِ الْقِيَامَةِ فِي آنٍ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْآنَاتِ فَلِهَذَا قَالَ: أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ أَسْرَعُ الْأَحْوَالِ وَالْحَوَادِثِ فِي عُقُولِنَا وَأَفْكَارِنَا هُوَ لَمْحَ الْبَصَرِ لَا جَرَمَ ذَكَرَهُ. ثم قال: أَوْ هُوَ أَقْرَبُ تَنْبِيهًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ، وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ طَرِيقَةَ الشَّكِّ، بِلِ الْمُرَادُ: بَلْ هُوَ أَقْرَبُ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمُرَادُ بِهِ الْإِبْهَامُ عَنِ الْمُخَاطَبِينَ أَنَّهُ تَعَالَى يَأْتِي بِالسَّاعَةِ إِمَّا بِقَدْرِ لَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ بِمَا هُوَ أَسْرَعُ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا لَا يَصِحُّ، لِأَنَّ إِقَامَةَ السَّاعَةِ لَيْسَتْ حَالَ تَكْلِيفٍ حَتَّى يُقَالُ إِنَّهُ تَعَالَى يَأْتِي بِهَا فِي زَمَانٍ، بَلِ الْوَاجِبُ أَنْ يَخْلُقَهَا دُفْعَةً وَاحِدَةً فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَيُفَارِقُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي ابتداء خلق السموات وَالْأَرْضِ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَالَ حَالُ تَكْلِيفٍ، فَلَمْ يمتنع أن يخلقهما كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَلَائِكَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَذْهَبِ الْقَاضِي، أَمَّا عَلَى قَوْلِنَا فِي أَنَّهُ تَعَالَى يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيُحْكِمُ مَا يُرِيدُ فَلَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى عَادَ إِلَى الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْمُخْتَارِ فَقَالَ:
وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ أُمَّهاتِكُمْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَالْبَاقُونَ بِضَمِّهَا.
المسألة الثَّانِيَةُ: أُمَّهَاتِكُمْ أَصْلُهُ أُمَّاتِكُمْ، إِلَّا أَنَّهُ زِيدَ الْهَاءُ فِيهِ كَمَا زِيدَ فِي أَرَاقَ فَقِيلَ: أَهْرَاقَ وَشَذَّتْ زِيَادَتُهَا فِي الْوَاحِدَةِ فِي قَوْلِهِ:
أُمَّهَتِي خِنْدَفُ وَالْيَأْسُ أَبِي
المسألة الثَّالِثَةُ: الْإِنْسَانُ خُلِقَ فِي مَبْدَأِ الْفِطْرَةِ خَالِيًا عَنْ معرفة الأشياء.
ثم قال تعالى: وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ والمعنى: أَنَّ النَّفْسَ الْإِنْسَانِيَّةَ لَمَّا كَانَتْ فِي أَوَّلِ الْخِلْقَةِ خَالِيَةً عَنِ الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ بِاللَّهِ، فَاللَّهُ أَعْطَاهُ هَذِهِ الْحَوَاسَّ لِيَسْتَفِيدَ بِهَا الْمَعَارِفَ وَالْعُلُومَ، وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْبَابِ يَسْتَدْعِي مَزِيدَ تَقْرِيرٍ فَنَقُولُ: التَّصَوُّرَاتُ وَالتَّصْدِيقَاتُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ كَسْبِيَّةً، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بَدِيهِيَّةً، وَالْكَسْبِيَّاتُ إِنَّمَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا بِوَاسِطَةِ تَرْكِيبَاتِ الْبَدِيهِيَّاتِ، فَلَا بُدَّ مِنْ سَبْقِ هَذِهِ الْعُلُومِ الْبَدِيهِيَّةِ، وَحِينَئِذٍ لِسَائِلٍ أَنْ يَسْأَلَ فَيَقُولَ: هَذِهِ الْعُلُومُ الْبَدِيهِيَّةُ إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا كَانَتْ حَاصِلَةً مُنْذَ خُلِقْنَا أَوْ مَا كَانَتْ حَاصِلَةً. وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِأَنَّا بِالضَّرُورَةِ نَعْلَمُ أَنَّا حِينَ كُنَّا جَنِينًا فِي رَحِمِ الْأُمِّ مَا كُنَّا نَعْرِفُ أَنَّ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ لَا يَجْتَمِعَانِ، وَمَا كُنَّا نَعْرِفُ أَنَّ الْكُلَّ أَعْظَمُ مِنَ الْجُزْءِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْعُلُومَ الْبَدِيهِيَّةَ حَصَلَتْ فِي نُفُوسِنَا بَعْدَ أَنَّهَا مَا كَانَتْ حَاصِلَةً، فَحِينَئِذٍ لَا يُمْكِنُ حُصُولُهَا إِلَّا بِكَسْبٍ وَطَلَبٍ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَسْبِيًّا فَهُوَ مَسْبُوقٌ بِعُلُومٍ أُخْرَى، فَهَذِهِ الْعُلُومُ الْبَدِيهِيَّةُ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 250
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست