responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 240
وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ فَإِذَا تَمَّ تَكَوَّنَ الْبَدَنُ وَكَمُلَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَنْفَصِلُ الْجَنِينُ مِنْ رَحِمِ الْأُمِّ وَمَعَ ذَلِكَ فَالرُّطُوبَاتُ زَائِدَةٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّكَ تَرَى أَعْضَاءَ الطِّفْلِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ مِنَ الْأُمِّ لَيِّنَةً لَطِيفَةً وَعِظَامَهُ لَيِّنَةً قَرِيبَةَ الطَّبْعِ مِنَ الْغَضَارِيفِ، ثُمَّ إِنَّ مَا فِي الْبَدَنِ مِنَ الْحَرَارَةِ يَعْمَلُ فِي تِلْكَ الرُّطُوبَاتِ وَيُقَلِّلُهَا، قَالُوا: وَيَحْصُلُ لِلْبَدَنِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ.
الْحَالَةُ الْأُولَى: أَنْ تَكُونَ رُطُوبَةُ الْبَدَنِ زَائِدَةً عَلَى حَرَارَتِهِ، وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْأَعْضَاءُ قَابِلَةً لِلتَّمَدُّدِ وَالِازْدِيَادِ وَالنَّمَاءِ، وَذَلِكَ هُوَ سِنُّ النَّشْوِ وَالنَّمَاءِ وَنِهَايَتُهُ إِلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً أَوْ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ تَصِيرَ رُطُوبَاتُ الْبَدَنِ أَقَلَّ مَا كَانَتْ فَتَكُونُ وَافِيَةً بِحِفْظِ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَكُونُ زَائِدَةً عَلَى هَذَا الْقَدْرِ، وَهَذَا هُوَ سِنُّ الْوُقُوفِ وَسِنُّ الشَّبَابِ وَغَايَتُهُ خَمْسُ سِنِينَ، وَعِنْدَ تَمَامِهِ يُتَمُّ الْأَرْبَعُونَ.
وَالْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ تَقِلَّ الرُّطُوبَاتُ وَتَصِيرُ بِحَيْثُ لَا تَكُونُ وَافِيَةً بِحِفْظِ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَظْهَرُ النُّقْصَانُ، ثُمَّ هَذَا النُّقْصَانُ قَدْ يَكُونُ خَفِيًّا وَهُوَ سِنُّ الْكُهُولَةِ وَتَمَامُهُ إِلَى سِتِّينَ سَنَةً وَقَدْ يَكُونُ ظَاهِرًا وَهُوَ سِنُّ الشَّيْخُوخَةِ وَتَمَامُهُ إِلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً فَهَذَا هُوَ الَّذِي حَصَّلَهُ الْأَطِبَّاءُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَعِنْدِي أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ ضَعِيفٌ وَيَدُلُّ عَلَى ضِعْفِهِ وُجُوهٌ:
الوجه الْأَوَّلُ: أَنَّا نَقُولُ إِنَّ فِي أَوَّلِ مَا كَانَ الْمَنِيُّ مَنِيًّا وَكَانَ الدَّمُ دَمًا كَانَتِ الرُّطُوبَاتُ غَالِبَةً وَكَانَتِ الْحَرَارَةُ الْغَرِيزِيَّةُ مَغْمُورَةً وَكَانَتْ ضَعِيفَةً بِهَذَا السَّبَبِ، ثُمَّ إِنَّهَا مَعَ ضَعْفِهَا قَوِيَتْ عَلَى تَحْلِيلِ أَكْثَرِ تِلْكَ الرُّطُوبَاتِ وَأَبَانَتْهَا مِنْ حَدِّ الدَّمَوِيَّةِ وَالْمَنَوِيَّةِ إِلَى أن صارت عظما وغضروفا وعصبا ورباطا، وعند ما تَوَلَّدَتِ الْأَعْضَاءُ وَكَمُلَ الْبَدَنُ قَلَّتِ الرُّطُوبَاتُ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ لِلْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ قُوَّةٌ أَزَيْدُ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَحْلِيلُ الرُّطُوبَاتِ بَعْدَ تَوَلُّدِ الْبَدَنِ وَكَمَالِهِ أَزْيَدَ مِنْ تَحَلُّلِهَا قَبْلَ تَوَلُّدِ الْبَدَنِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، لِأَنَّ قَبْلَ تَوَلُّدِ الْبَدَنِ انْتَقَلَ جِسْمُ الْمَنِيِّ وَالدَّمِ إِلَى أَنْ صَارَ عَظْمًا وَعَصَبًا، وَأَمَّا بَعْدَ تَوَلُّدِ الْبَدَنِ فَلَمْ يَحْصُلْ مِثْلُ هَذَا الِانْتِقَالِ وَلَا عُشْرُ عُشْرِهِ فَلَوْ كَانَ تَوَلُّدُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِسَبَبِ تَأْثِيرِ الْحَرَارَةِ فِي الرُّطُوبَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ تَحَلُّلُ الرُّطُوبَاتِ بَعْدَ كَمَالِ الْبَدَنِ أَكْثَرَ مِنْ تَحَلُّلِهَا قَبْلَ تَكَوُّنِ الْبَدَنِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ تَوَلُّدَ الْبَدَنِ إِنَّمَا كَانَ بِتَدْبِيرِ قَادِرٍ حَكِيمٍ يُدَبِّرُ أَبْدَانَ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى وَفْقِ مَصَالِحِهَا، وَأَنَّهُ مَا كَانَ تَوَلُّدُ الْبَدَنِ لِأَجْلِ مَا قَالُوهُ مِنْ تَأْثِيرِ الْحَرَارَةِ فِي الرُّطُوبَةِ.
وَالوجه الثَّانِي: فِي إِبْطَالِ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ الْحَاصِلَةَ فِي بَدَنِ الْإِنْسَانِ الْكَامِلِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ هِيَ عَيْنَ مَا كَانَ حَاصِلًا فِي جَوْهَرِ النُّطْفَةِ أَوْ صَارَتْ أَزْيَدَ مِمَّا كَانَتْ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْحَارَّ الْغَرِيزِيَّ الْحَاصِلَ فِي جَوْهَرِ النُّطْفَةِ كَانَ بِمِقْدَارِ جِرْمِ النُّطْفَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ جِرْمَ النُّطْفَةِ كَانَ قَلِيلًا صَغِيرًا، فَهَذَا الْبَدَنُ بَعْدَ كِبَرِهِ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ مِنَ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ إِلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ كَانَ فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ فِي هَذَا الْبَدَنِ أَثَرٌ أَصْلًا، وَأَمَّا الثَّانِي: فَفِيهِ تَسْلِيمٌ أَنَّ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ تَتَزَايَدُ بِحَسَبِ تَزَايُدِ الْجُثَّةِ وَالْبَدَنِ، وَإِذَا تَزَايَدْتِ الْحَرَارَةُ الْغَرِيزِيَّةُ سَاعَةً فَسَاعَةً، وَثَبَتَ أَنَّ تَزَايُدَهَا يُوجِبُ تَزَايُدَ الْقُوَّةِ وَالصِّحَّةِ سَاعَةً فَسَاعَةً، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى الْبَدَنُ الْحَيَوَانِيُّ أَبَدًا فِي التَّزَايُدِ وَالتَّكَامُلِ، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ ازْدِيَادَ حَالِ الْبَدَنِ الْحَيَوَانِيِّ وَانْتِقَاصَهُ لَيْسَ بِحَسَبِ الطَّبِيعَةِ، بَلْ بِسَبَبِ تَدْبِيرِ الفاعل المختار.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 240
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست