responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 234
لِزِيَادَةِ الْمَائِيَّةِ، حَتَّى يَبْقَى الدَّمُ الصَّافِي الْمُوَافِقُ لِتَغْذِيَةِ الْبَدَنِ. وَتَخْصِيصُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ بِتِلْكَ الْقُوَّةِ وَالْخَاصِّيَّةِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِتَقْدِيرِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ. الرَّابِعُ: أَنَّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ الْجَنِينُ فِي رَحِمِ الْأُمِّ يَنْصَبُّ مِنْ ذَلِكَ الدَّمِ نَصِيبٌ وَافِرٌ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ مَادَّةً لِنُمُوِّ أَعْضَاءِ ذَلِكَ الْوَلَدِ وَازْدِيَادِهِ، فَإِذَا انْفَصَلَ ذَلِكَ الْجَنِينُ عَنِ الرَّحِمِ يَنْصَبُّ ذَلِكَ النَّصِيبُ إِلَى جَانِبِ الثَّدْيِ لِيَتَوَلَّدَ مِنْهُ اللَّبَنُ الَّذِي يَكُونُ غِذَاءً لَهُ، فَإِذَا كَبِرَ الْوَلَدُ لَمْ يَنْصَبَّ ذَلِكَ النَّصِيبُ لَا إِلَى الرَّحِمِ وَلَا إِلَى الثَّدْيِ، بَلْ يَنْصَبُّ عَلَى مَجْمُوعِ بَدَنِ الْمُتَغَذِّي، فَانْصِبَابُ ذَلِكَ الدَّمِ فِي كُلِّ وَقْتٍ إِلَى عُضْوٍ آخَرَ انْصِبَابًا مُوَافِقًا لِلْمَصْلَحَةِ وَالْحِكْمَةِ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِتَدْبِيرِ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ الْحَكِيمِ. وَالْخَامِسُ: أَنَّ عِنْدَ تَوَلُّدِ اللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ أَحْدَثَ تَعَالَى فِي حَلَمَةِ الثَّدْيِ ثُقُوبًا صَغِيرَةً وَمَسَامَّ ضَيِّقَةً، وَجَعَلَهَا بِحَيْثُ إِذَا اتَّصَلَ الْمَصُّ أَوِ الْحَلْبُ بِتِلْكَ الْحَلَمَةِ انْفَصَلَ اللَّبَنُ عَنْهَا فِي تِلْكَ الْمَسَامِّ الضَّيِّقَةِ، وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الْمَسَامُّ ضَيِّقَةً جِدًّا، فَحِينَئِذٍ لَا يَخْرُجُ مِنْهَا إِلَّا مَا كَانَ فِي غَايَةِ الصَّفَاءِ وَاللَّطَافَةِ، وَأَمَّا الْأَجْزَاءُ الْكَثِيفَةُ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ مِنْ تِلْكَ الْمَنَافِذِ الضَّيِّقَةِ فَتَبْقَى فِي الدَّاخِلِ. وَالْحِكْمَةُ فِي إِحْدَاثِ تِلْكَ الثُّقُوبِ الصَّغِيرَةِ، وَالْمَنَافِذِ الضَّيِّقَةِ فِي رَأْسِ حَلَمَةِ الثَّدْيِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَالْمِصْفَاةِ، فَكُلُّ مَا كَانَ لَطِيفًا/ خَرَجَ، وَكُلُّ مَا كَانَ كَثِيفًا احْتَبَسَ فِي الدَّاخِلِ وَلَمْ يَخْرُجْ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَصِيرُ ذَلِكَ اللَّبَنُ خَالِصًا مُوَافِقًا لِبَدَنِ الصَّبِيِّ سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ. السَّادِسُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَلْهَمَ ذَلِكَ الصَّبِيَّ إِلَى الْمَصِّ، فَإِنَّ الْأُمَّ كُلَّمَا أَلْقَمَتْ حَلَمَةَ الثَّدْيِ فِي فَمِ الصَّبِيِّ فَذَلِكَ الصَّبِيُّ فِي الْحَالِ يَأْخُذُ فِي الْمَصِّ، فَلَوْلَا أَنَّ الْفَاعِلَ الْمُخْتَارَ الرَّحِيمَ أَلْهَمَ ذَلِكَ الطِّفْلَ الصَّغِيرَ ذَلِكَ الْعَمَلَ الْمَخْصُوصَ، وَإِلَّا لَمْ يَحْصُلِ الِانْتِفَاعُ بِتَخْلِيقِ ذَلِكَ اللَّبَنِ فِي الثَّدْيِ. السَّابِعُ: أَنَّا بَيَّنَّا أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا خَلَقَ اللَّبَنَ مِنْ فَضْلَةِ الدم، وإنما خلق الدم من الغذاء الذي يتناوله الحيوان، فالشاة لما تناولت العشب والماء فالله تعالى خَلَقَ الدَّمَ مِنْ لَطِيفِ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ، ثُمَّ خَلَقَ اللَّبَنَ مِنْ بَعْضِ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الدَّمِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّبَنَ حَصَلَتْ فِيهِ أَجْزَاءٌ ثَلَاثَةٌ عَلَى طَبَائِعَ مُتَضَادَّةٍ، فَمَا فِيهِ مِنَ الدُّهْنِ يَكُونُ حَارًّا رَطْبًا، وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَائِيَّةِ يَكُونُ بَارِدًا رَطْبًا، وَمَا فِيهِ مِنَ الْجُبْنِيَّةِ يَكُونُ بَارِدًا يَابِسًا، وَهَذِهِ الطَّبَائِعُ مَا كَانَتْ حَاصِلَةً فِي ذَلِكَ الْعُشْبِ الَّذِي تَنَاوَلَتْهُ الشَّاةُ، فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الْأَجْسَامَ لَا تَزَالُ تَنْقَلِبُ مِنْ صِفَةٍ إِلَى صِفَةٍ وَمِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ، مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَا يُشَاكِلُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحْوَالَ إِنَّمَا تَحْدُثُ بِتَدْبِيرِ فَاعِلٍ حَكِيمٍ رَحِيمٍ يُدَبِّرُ أَحْوَالَ هَذَا الْعَالَمِ عَلَى وَفْقِ مَصَالِحِ الْعِبَادِ، فَسُبْحَانَ مَنْ تَشْهَدُ جَمِيعُ ذَرَّاتِ الْعَالَمِ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ بِكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَنِهَايَةِ حِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
أما قوله: سائِغاً لِلشَّارِبِينَ فَمَعْنَاهُ: جَارِيًا فِي حُلُوقِهِمْ لَذِيذًا هَنِيئًا. يُقَالُ: سَاغَ الشَّرَابُ فِي الْحَلْقِ وَأَسَاغَهُ صَاحِبُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ [إِبْرَاهِيمَ: 17] .
المسألة الْخَامِسَةُ: قَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ: اعْتِبَارُ حُدُوثِ اللَّبَنِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ الْمُخْتَارِ سُبْحَانَهُ، فَكَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إِمْكَانِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْعُشْبَ الَّذِي يَأْكُلُهُ الْحَيَوَانُ إِنَّمَا يَتَوَلَّدُ مِنَ الْمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَخَالِقُ الْعَالَمِ دَبَّرَ تَدْبِيرًا، فَقَلَبَ ذَلِكَ الطِّينَ نَبَاتًا وَعُشْبًا، ثُمَّ إِذَا أَكَلَهُ الْحَيَوَانُ دَبَّرَ تَدْبِيرًا آخَرَ فَقَلَبَ ذَلِكَ الْعُشْبَ دَمًا، ثُمَّ دَبَّرَ تَدْبِيرًا آخَرَ فَقَلَبَ ذَلِكَ الدَّمَ لَبَنًا، ثُمَّ دَبَّرَ تَدْبِيرًا آخَرَ فَحَدَثَ مِنْ ذَلِكَ اللَّبَنِ الدُّهْنُ وَالْجُبْنُ، فَهَذَا يدل على أنه تعالى قادر على أن يُقَلِّبَ هَذِهِ الْأَجْسَامَ مِنْ صِفَةٍ إِلَى صِفَةٍ، وَمِنْ حَالَةٍ إِلَى حَالَةٍ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَمْتَنِعْ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَقْلِبَ أَجْزَاءَ أَبْدَانِ الْأَمْوَاتِ إِلَى صِفَةِ الْحَيَاةِ وَالْعَقْلِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ، فَهَذَا الِاعْتِبَارُ يَدُلُّ مِنْ هَذَا الوجه عَلَى أَنَّ الْبَعْثَ وَالْقِيَامَةِ أَمْرٌ مُمْكِنٌ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَاللَّهُ أعلم.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 234
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست