responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 227
[في قوله وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنِ الْقَوْمِ عَظِيمَ كُفْرِهِمْ وَقَبِيحَ قَوْلِهِمْ، بَيَّنَ أَنَّهُ يُمْهِلُ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ وَلَا يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ، إِظْهَارًا لِلْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ وَالْكَرَمِ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: احْتَجَّ الطَّاعِنُونَ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ قَالَ: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ فَأَضَافَ الظُّلْمَ إِلَى كُلِّ النَّاسِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الظُّلْمَ مِنَ الْمَعَاصِي، فَهَذَا يَقْتَضِي كَوْنَ كُلِّ إِنْسَانٍ آتِيًا بِالذَّنْبِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِنَ النَّاسِ، فَوَجَبَ كَوْنُهُمْ آتِينَ بِالذَّنْبِ وَالْمَعْصِيَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ فَهُوَ آتٍ بِالظُّلْمِ وَالذَّنْبِ، حَتَّى يَلْزَمَ مِنْ إفناء كل ما كَانَ ظَالِمًا إِفْنَاءُ كُلِّ النَّاسِ. أَمَّا إِذَا قُلْنَا: الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُمْ ظُلْمٌ فَلَا يَجِبُ إِفْنَاؤُهُمْ، وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِفْنَاءِ كُلِّ الظَّالِمِينَ إِفْنَاءُ كُلِّ النَّاسِ، وَأَنْ لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ دَابَّةٌ، وَلَمَّا لَزِمَ عَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ الْبَشَرِ ظَالِمُونَ سَوَاءٌ كَانُوا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ لَمْ يَكُونُوا كَذَلِكَ.
وَالْجَوَابُ: ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ كُلَّ النَّاسِ لَيْسُوا ظَالِمِينَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ [فَاطِرٍ: 32] أَيْ فَمِنَ الْعِبَادِ مَنْ هُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ، وَلَوْ كَانَ الْمُقْتَصِدُ وَالسَّابِقُ ظَالِمًا لَفَسَدَ ذَلِكَ التَّقْسِيمُ، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْمُقْتَصِدِينَ وَالسَّابِقِينَ لَيْسُوا ظَالِمِينَ، فَثَبَتَ بِهَذَا الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ كُلُّ الْخَلْقِ ظَالِمُونَ.
وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: النَّاسُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ إِمَّا كُلُّ الْعُصَاةِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْعِقَابِ أَوِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَمِنَ الَّذِينَ أَثْبَتُوا لِلَّهِ الْبَنَاتِ. وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
المسألة الثَّانِيَةُ: مِنَ النَّاسِ مَنِ احْتَجَّ بهذه الآية على أن الأصل من الْمَضَارِّ الْحُرْمَةُ، فَقَالَ: لَوْ كَانَ الضَّرَرُ مَشْرُوعًا لَكَانَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ جَزَاءً عَلَى جُرْمٍ صَادِرٍ مِنْهُمْ أَوْ لَا عَلَى هَذَا الوجه، وَالْقِسْمَانِ بَاطِلَانِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مَشْرُوعًا أَصْلًا.
أَمَّا بَيَانُ فساد القسم الأول، فلقوله تَعَالَى: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ كَلِمَةَ «لَوْ» وُضِعَتْ لِانْتِفَاءِ الشَّيْءِ لِانْتِفَاءِ غَيْرِهِ. فَقَوْلُهُ: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ تَعَالَى مَا أَخَذَهُمْ بِظُلْمِهِمْ وَأَنَّهُ تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ لَازِمَةَ أَخْذِ اللَّهِ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ هُوَ أَنْ لَا يَتْرُكَ عَلَى ظَهْرِهَا دَابَّةً، ثُمَّ إِنَّا نُشَاهِدُ أَنَّهُ تَعَالَى تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا دَوَابَّ كَثِيرِينَ، فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُؤَاخِذُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمَضَارُّ مَشْرُوعَةً عَلَى وَجْهٍ تَقَعُ أَجِزْيَةً عَنِ الْجَرَائِمِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا ابْتِدَاءً لَا عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ أَجِزْيَةً عَنْ جُرْمٍ سَابِقٍ، فَهَذَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَثَبَتَ أَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْآيَةِ تَحْرِيمُ الْمَضَارِّ مُطْلَقًا، وَيَتَأَكَّدُ هَذَا أَيْضًا بِآيَاتٍ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها [الْأَعْرَافِ: 56] وَكَقَوْلِهِ: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 227
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست