responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 216
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: اخْتِلَافُ حَالِ هَذِهِ الْأَظْلَالِ مُعَلَّلٌ بِاخْتِلَافِ سَيْرِ النَّيِّرِ الْأَعْظَمِ الَّذِي هُوَ الشَّمْسُ، لَا لِأَجْلِ تَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَدْبِيرِهِ؟
قُلْنَا: قَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الْجِسْمَ لَا يَكُونُ مُتَحَرِّكًا لِذَاتِهِ، إِذْ لَوْ كَانَتْ ذَاتُهُ عِلَّةً لِهَذَا الْجُزْءِ الْمَخْصُوصِ مِنَ الْحَرَكَةِ، لَبَقِيَ هَذَا الْجُزْءُ مِنَ الْحَرَكَةِ لِبَقَاءِ ذَاتِهِ، وَلَوْ بَقِيَ ذَلِكَ الْجُزْءُ مِنَ الْحَرَكَةِ لَامْتَنَعَ حُصُولُ الْجُزْءِ الْآخَرِ مِنَ الْحَرَكَةِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ لَكَانَ هَذَا سكونا لا حركة، فالقول بأن الجسم متحرك لِذَاتِهِ يُوجِبُ الْقَوْلَ بِكَوْنِهِ سَاكِنًا لِذَاتِهِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ، وَمَا أَفْضَى ثُبُوتُهُ إِلَى نَفْيِهِ كَانَ بَاطِلًا، فَعَلِمْنَا أَنَّ الْجِسْمَ يَمْتَنِعُ كَوْنُهُ مُتَحَرِّكًا لِذَاتِهِ، وَأَيْضًا فَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الْأَجْسَامَ مُتَمَاثِلَةٌ فِي تَمَامِ الْمَاهِيَّةِ، فَاخْتِصَاصُ جِرْمِ الشَّمْسِ بِالْقُوَّةِ الْمُعَيَّنَةِ وَالْخَاصِّيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ بِتَدْبِيرِ الْخَالِقِ الْمُخْتَارِ الْحَكِيمِ.
إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: هَبْ أَنَّ اخْتِلَافَ أَحْوَالِ الْأَظْلَالِ إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ حَرَكَاتِ الشَّمْسِ، إِلَّا أَنَّا لَمَّا دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ مُحَرِّكَ الشَّمْسِ بِالْحَرَكَةِ الْخَاصَّةِ لَيْسَ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ كَانَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ أَحْوَالِ الْأَظْلَالِ لَمْ يَقَعْ إِلَّا بِتَدْبِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَخْلِيقِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا السُّجُودِ الِانْقِيَادُ وَالتَّوَاضُعُ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ [الرَّحْمَنِ: 6] وَقَوْلُهُ: وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ [الرَّعْدِ: 15] قَدْ مَرَّ بَيَانُهُ وَشَرْحُهُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ هَذَا السُّجُودِ، أَنَّ هَذِهِ الْأَظْلَالَ وَاقِعَةٌ عَلَى الْأَرْضِ مُلْتَصِقَةٌ بِهَا عَلَى هَيْئَةِ السَّاجِدِ. قَالَ أَبُو الْعَلَاءِ الْمُعَرِّي في صفة واد:
بحرف يُطِيلُ الْجُنْحُ فِيهِ سُجُودَهُ ... وَلِلْأَرْضِ زِيُّ الرَّاهِبِ الْمُتَعَبِّدِ
فَلَمَّا كَانَتِ الْأَظْلَالُ تُشْبِهُ بِشَكْلِهَا شَكْلَ السَّاجِدِينَ أَطْلَقَ اللَّهُ عَلَيْهَا هَذَا اللَّفْظَ، وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ: أَمَّا ظِلُّكَ فَسَجَدَ لِرَبِّكَ، وَأَمَّا أَنْتَ فَلَا تَسْجُدُ لَهُ بِئْسَمَا صَنَعْتَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ظِلُّ الْكَافِرِ يُصَلِّي وَهُوَ لَا يُصَلِّي، وَقِيلَ: ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ يَسْجُدُ لِلَّهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ سَاجِدًا أَمْ لَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الوجه الْأَوَّلَ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقَائِقِ الْعَقْلِيَّةِ، وَالثَّانِي أقرب إلى الشبهات الظاهرة.
المسألة الخامسة: وقوله: سُجَّداً حَالٌ مِنَ الظِّلَالِ وَقَوْلُهُ: وَهُمْ داخِرُونَ أَيْ صَاغِرُونَ، يُقَالُ: دَخَرَ يَدْخَرُ دُخُورًا، أَيْ صَغُرَ يَصْغُرُ صَغَارًا، وَهُوَ الَّذِي يَفْعَلُ مَا تَأْمُرُهُ شَاءَ أَمْ أَبَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مُنْقَادَةٌ لِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَدْبِيرِهِ وَقَوْلُهُ: وَهُمْ داخِرُونَ حَالٌ أَيْضًا مِنَ الظِّلَالِ.
فَإِنْ قِيلَ: الظِّلَالُ لَيْسَتْ مِنَ الْعُقَلَاءِ فَكَيْفَ جَازَ جَمْعُهَا بِالْوَاوِ وَالنُّونِ؟
قُلْنَا: لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا وَصَفَهُمْ بِالطَّاعَةِ وَالدُّخُورِ أَشْبَهُوا الْعُقَلَاءَ.
أما قوله تَعَالَى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ فَفِيهِ مَسَائِلُ:
المسألة الْأُولَى: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ السُّجُودَ عَلَى نَوْعَيْنِ: سُجُودٌ هُوَ عِبَادَةٌ كَسُجُودِ الْمُسْلِمِينَ لِلَّهِ تَعَالَى، وَسُجُودٌ هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الِانْقِيَادِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْخُضُوعِ، وَيَرْجِعُ حَاصِلُ هَذَا السُّجُودِ إِلَى أَنَّهَا/ فِي نَفْسِهَا مُمْكِنَةُ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ قَابِلَةٌ لَهُمَا، وَأَنَّهُ لَا يَتَرَجَّحَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ عَلَى الْآخَرِ إِلَّا لِمُرَجِّحٍ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِالسُّجُودِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ السُّجُودُ بِالْمَعْنَى الثَّانِي

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 216
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست