responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 205
المسألة الثَّالِثَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي بَيَانِ أَنَّ الْهُدَى وَالضَّلَالَ مِنَ اللَّهِ بِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ أَبَدًا فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ وَالْأُمَمِ آمِرًا بِالْإِيمَانِ وَنَاهِيًا عَنِ الْكُفْرِ.
ثم قال: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ يَعْنِي: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ إِلَى الْإِيمَانِ وَالصِّدْقِ وَالْحَقِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَضَلَّهُ عَنِ الْحَقِّ وَأَعْمَاهُ عَنِ الصِّدْقِ وَأَوْقَعَهُ فِي الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُوَافِقُ إِرَادَتَهُ، بَلْ قَدْ يَأْمُرُ بِالشَّيْءِ وَلَا يُرِيدُهُ وَيَنْهَى عَنِ الشَّيْءِ وَيُرِيدُهُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَزِلَةَ يَقُولُونَ: الْأَمْرُ وَالْإِرَادَةُ مُتَطَابِقَانِ أَمَّا الْعِلْمُ وَالْإِرَادَةُ فَقَدْ يَخْتَلِفَانِ، وَلَفْظُ هَذِهِ الْآيَةِ صَرِيحٌ فِي قَوْلِنَا وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِيمَانِ عَامٌّ فِي حَقِّ الْكُلِّ أَمَّا إِرَادَةُ الْإِيمَانِ فَخَاصَّةٌ بِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ.
أَجَابَ الْجُبَّائِيُّ: بِأَنَّ الْمُرَادَ: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ لِنَيْلِ ثَوَابِهِ وَجَنَّتِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ أَيِ الْعِقَابُ. قَالَ: وَفِي صِفَةِ قَوْلِهِ: حَقَّتْ عَلَيْهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهَا الْعَذَابُ دُونَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ لِأَنَّ الْكُفْرَ وَالْمَعْصِيَةَ لَا يَجُوزُ وَصْفُهُمَا بِأَنَّهُ حَقٌّ. وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى بَعْدَهُ: فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ وَهَذِهِ الْعَاقِبَةُ هِيَ آثَارُ الْهَلَاكِ لِمَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأُمَمِ الَّذِينَ اسْتَأْصَلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالْعَذَابِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالضَّلَالِ الْمَذْكُورِ هُوَ عَذَابُ الِاسْتِئْصَالِ.
وَأَجَابَ الْكَعْبِيُّ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَالَ: قَوْلُهُ: فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ أَيْ مَنِ اهْتَدَى فَكَانَ فِي حُكْمِ اللَّهِ مُهْتَدِيًا، وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ يُرِيدُ: مَنْ ظَهَرَتْ ضَلَالَتُهُ، كَمَا يُقَالُ لِلظَّالِمِ: حَقَّ ظُلْمُكَ وَتَبَيَّنَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: حَقَّ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُضِلَّهُمْ إذا ضلوا كقوله: وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ [إبراهيم: 27] .
وَاعْلَمْ أَنَّا بَيَّنَّا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ الْقَاطِعَةِ أَنَّ الْهُدَى وَالْإِضْلَالَ لَا يَكُونَانِ إِلَّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ، وَهَذِهِ الْوُجُوهُ الْمُتَعَسِّفَةُ وَالتَّأْوِيلَاتُ الْمُسْتَكْرَهَةُ قَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهَا وَسُقُوطَهَا مِرَارًا، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْإِعَادَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
المسألة الرَّابِعَةُ: فِي الطَّاغُوتِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ: اجْتَنِبُوا عِبَادَةَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَسَمَّى الْكُلَّ طَاغُوتًا، وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: اجْتَنِبُوا طَاعَةَ الشَّيْطَانِ فِي دُعَائِهِ لَكُمْ.
المسألة الْخَامِسَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِنَا، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ امْتَنَعَ أَنْ لا يصدر منه الضلالة، وإلا لا نقلب خَبَرُ اللَّهِ الصِّدْقُ كَذِبًا، وَذَلِكَ مُحَالٌ وَمُسْتَلْزَمُ الْمُحَالِ مُحَالٌ، فَكَانَ عَدَمُ الضَّلَالَةِ مِنْهُمْ مُحَالًا، وَوُجُودُ الضَّلَالَةِ مِنْهُمْ وَاجِبًا عَقْلًا، فَهَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِنَا فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الكثيرة والله علم. وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْآيَةِ كَثِيرَةٌ مِنْهَا قَوْلَهُ: فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ [الْأَعْرَافِ: 30] وَقَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ [يُونُسَ: 96] وَقَوْلُهُ:
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [يس: 7] .
ثم قال تَعَالَى: فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ وَالْمَعْنَى: سِيرُوا فِي الْأَرْضِ مُعْتَبِرِينَ لِتَعْرِفُوا أَنَّ الْعَذَابَ نَازِلٌ بِكُمْ كَمَا نَزَلَ بِهِمْ، ثُمَّ أَكَّدَ أَنَّ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَإِنَّهُ لَا يَهْتَدِي، فَقَالَ:
إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ أَيْ إِنْ تَطْلُبْ بِجُهْدِكَ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ، وَفِيهِ مَسَائِلُ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 205
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست