responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 197
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَالَغَ فِي تَقْرِيرِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ وَأَوْرَدَ الدَّلَائِلَ الْقَاهِرَةَ فِي إِبْطَالِ مَذَاهِبِ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ، ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ شُبُهَاتِ مُنْكِرِي النُّبُوَّةِ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهَا.
فَالشُّبْهَةُ الْأُولَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا احْتَجَّ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ نَفْسِهِ بِكَوْنِ الْقُرْآنِ مُعْجِزَةً طَعَنُوا فِي الْقُرْآنِ وَقَالُوا: إِنَّهُ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ جِنْسِ الْمُعْجِزَاتِ، وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ ذَلِكَ السَّائِلَ مَنْ كَانَ؟ قِيلَ هُوَ كَلَامُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ، وَقِيلَ: هُوَ قَوْلُ الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ اقْتَسَمُوا مَدَاخِلَ مَكَّةَ يُنَفِّرُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَأَلَهُمْ وُفُودُ الْحَاجِّ عَمَّا أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
المسألة الثَّانِيَةُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: كَيْفَ يَكُونُ تَنْزِيلُ رَبِّهِمْ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ؟
وَجَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ مَذْكُورٌ عَلَى سَبِيلِ السُّخْرِيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُمْ: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ [الشُّعَرَاءِ: 27] ، وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [الْحِجْرِ: 6] وقوله:
يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ [الزُّخْرُفِ: 49] . الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ هَذَا الَّذِي تَذْكُرُونَ أَنَّهُ مُنْزَّلٌ مِنْ رَبِّكُمْ هُوَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ. الثَّالِثُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا أَنْزَلَهُ اللَّهُ لَكِنَّهُ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْعُلُومِ وَالْفَصَاحَةِ وَالدَّقَائِقِ وَالْحَقَائِقِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى شُبَهَهُمْ قَالَ: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ اللَّامُ فِي لِيَحْمِلُوا لَامُ الْعَاقِبَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَصِفُوا الْقُرْآنَ بِكَوْنِهِ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ لِأَجْلِ أَنْ يَحْمِلُوا الْأَوْزَارَ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ عَاقِبَتُهُمْ ذَلِكَ حَسُنَ ذِكْرُ هَذِهِ اللَّامِ كَقَوْلِهِ: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً [الْقَصَصِ: 8] وَقَوْلُهُ: كامِلَةً مَعْنَاهُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَا يُخَفِّفُ مِنْ عِقَابِهِمْ شَيْئًا، بَلْ يُوصِلُ ذَلِكَ الْعِقَابَ بِكُلِّيَّتِهِ إِلَيْهِمْ، وَأَقُولُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ يُسْقِطُ بَعْضَ الْعِقَابِ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، إِذْ لَوْ كَانَ هَذَا الْمَعْنَى حَاصِلًا فِي حَقِّ الْكُلِّ، لَمْ يَكُنْ لِتَخْصِيصِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ بِهَذَا التَّكْمِيلِ مَعْنًى، وَقَوْلُهُ: وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ مَعْنَاهُ: وَيَحْصُلُ لِلرُّؤَسَاءِ مِثْلُ أَوْزَارِ الْأَتْبَاعِ، وَالسَّبَبُ فِيهِ مَا
رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى الْهُدَى فَاتُّبِعَ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَأَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ فَاتُّبِعَ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنِ اتَّبَعَهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْءٌ» .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ تَعَالَى يُوصِلُ الْعِقَابَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْأَتْبَاعُ إِلَى الرُّؤَسَاءِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا لَا يَلِيقُ بِعَدْلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى [النَّجْمِ: 39] وَقَوْلُهُ: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الْإِسْرَاءِ: 15] بَلِ الْمَعْنَى: أَنَّ الرَّئِيسَ إِذَا وَضَعَ سُنَّةً قَبِيحَةً عَظُمَ عِقَابُهُ، حَتَّى أَنَّ ذَلِكَ الْعِقَابَ يَكُونُ مُسَاوِيًا لِكُلِّ مَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَتْبَاعِ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَلَفْظَةُ: (مِنْ) فِي قَوْلِهِ: وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ لَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ لِلتَّبْعِيضِ لَخَفَّ عَنِ الْأَتْبَاعِ بَعْضُ أَوْزَارِهِمْ، وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ،
لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ» .
وَلَكِنَّهَا لِلْجِنْسِ، أَيْ لِيَحْمِلُوا مِنْ جِنْسِ أَوْزَارِ الْأَتْبَاعِ. وَقَوْلُهُ: بِغَيْرِ عِلْمٍ يَعْنِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الرُّؤَسَاءَ إِنَّمَا يُقْدِمُونَ عَلَى هَذَا الْإِضْلَالِ جَهْلًا مِنْهُمْ بِمَا يَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ عَلَى ذَلِكَ الْإِضْلَالِ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى خَتَمَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ: أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ وَالْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةُ فِي الزَّجْرِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 197
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست