responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 193
الوجه الْأَوَّلُ: أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا سَمَّوْهَا آلِهَةً وَعَبَدُوهَا، لَا جَرَمَ أُجْرِيَتْ مَجْرَى أُولِي الْعِلْمِ أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ عَلَى أَثَرِهِ: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ.
وَالوجه الثَّانِي: فِي الْجَوَابِ أَنَّ السَّبَبَ فِيهِ الْمُشَاكَلَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَخْلُقُ.
وَالوجه الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ يَخْلُقُ لَيْسَ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ فَكَيْفَ مَنْ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ كَقَوْلِهِ: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها يَعْنِي أَنَّ الْآلِهَةَ الَّتِي تَدْعُونَهَا حَالُهُمْ مُنْحَطَّةٌ عَنْ حَالِ مَنْ لَهُمْ أَرْجُلٌ وَأَيْدٍ وَآذَانٌ وَقُلُوبٌ، لِأَنَّ هَؤُلَاءِ أَحْيَاءٌ وَهُمْ أَمْوَاتٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ مِنْهُمْ عِبَادَتُهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّتْ لَهُمْ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ لَصَحَّ أَنْ يُعْبَدُوا.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إِلْزَامُ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، حَيْثُ جَعَلُوا غَيْرَ الْخَالِقِ مِثْلَ الْخَالِقِ فِي التَّسْمِيَةِ بِالْإِلَهِ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِعِبَادَتِهَا، فَكَانَ حَقُّ الْإِلْزَامِ أَنْ يُقَالَ: أَفَمَنْ لَا يَخْلُقُ كَمَنْ يَخْلُقُ.
وَالْجَوَابُ: الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ يَخْلُقُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الْعَظِيمَةَ وَيُعْطِي هَذِهِ الْمَنَافِعَ الْجَلِيلَةَ كَيْفَ يُسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذِهِ الْجَمَادَاتِ الْخَسِيسَةِ فِي التَّسْمِيَةِ بِاسْمِ الْإِلَهِ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِعِبَادَتِهَا وَالْإِقْدَامِ عَلَى غَايَةِ تَعْظِيمِهَا فَوَقَعَ التَّعْبِيرُ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ.
المسألة الثَّالِثَةُ: احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ خَالِقٍ لِأَفْعَالِ نَفْسِهِ فَقَالَ: إِنَّهُ تَعَالَى مَيَّزَ نَفْسَهُ عَنْ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا بِصِفَةِ الْخَالِقِيَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ الْغَرَضُ مِنْهُ بَيَانُ كَوْنِهِ مُمْتَازًا عَنِ الْأَنْدَادِ بِصِفَةِ الْخَالِقِيَّةِ وَأَنَّهُ إِنَّمَا اسْتَحَقَّ الْإِلَهِيَّةَ وَالْمَعْبُودِيَّةَ بِسَبَبِ كَوْنِهِ خَالِقًا، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْعَبْدَ لَوْ كَانَ خَالِقًا لِبَعْضِ الْأَشْيَاءِ لَوَجَبَ كَوْنُهُ إِلَهًا مَعْبُودًا، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا عَلِمْنَا أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْجَوَابُ: عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ:
الوجه الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ أَفَمَنْ يخلق ما تقدم ذكره من السموات وَالْأَرْضِ وَالْإِنْسَانِ وَالْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْبِحَارِ وَالنُّجُومِ وَالْجِبَالِ كَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ شَيْءٍ أَصْلًا، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ كَانَ خَالِقًا لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّهُ يَكُونُ إِلَهًا وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ أَنَّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى أَفْعَالِ نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا.
وَالوجه الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ مَنْ كَانَ خَالِقًا كَانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ لَا يَكُونُ خَالِقًا، فَوَجَبَ امْتِنَاعُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا فِي الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَعْبُودِيَّةِ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ خَالِقًا فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إِلَهًا. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِها [الْأَعْرَافِ: 195] وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الَّذِي حَصَلَ لَهُ رِجْلٌ يَمْشِي بِهَا يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الَّذِي حَصَلَ لَهُ رِجْلٌ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ بِهَا، وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ أَفْضَلَ مِنَ الصَّنَمِ، وَالْأَفْضَلُ لَا يَلِيقُ بِهِ عِبَادَةُ الْأَخَسِّ، فَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، ثُمَّ إِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ رِجْلٌ يمشي بها أن يكون إلها، فكذلك هاهنا الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ أَنَّ الْخَالِقَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ الْخَالِقِ، فَيَمْتَنِعُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي الْإِلَهِيَّةِ وَالْمَعْبُودِيَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ صِفَةِ الْخَالِقِيَّةِ يَكُونُ إِلَهًا.
وَالوجه الثَّالِثُ فِي الْجَوَابِ: أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يُطْلِقُونَ لَفْظَ الْخَالِقِ عَلَى الْعَبْدِ. قَالَ الْكَعْبِيُّ فِي «تَفْسِيرِهِ» إِنَّا لَا نَقُولُ: إِنَّا نَخْلُقُ أَفْعَالَنَا: قَالَ وَمَنْ أَطْلَقَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْطَأَ إِلَّا فِي مَوَاضِعَ ذَكَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى كَقَوْلِهِ:
وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ [الْمَائِدَةِ: 110] وَقَوْلِهِ: فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ [الْمُؤْمِنُونَ: 14] .

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 193
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست