responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 191
النِّعْمَةُ الثَّانِيَةُ: مِنَ النِّعَمِ الَّتِي أَظْهَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ هِيَ أَنَّهُ تَعَالَى أَجْرَى الْأَنْهَارَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ حصل هاهنا بَحْثَانِ:
البحث الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ: وَأَنْهاراً مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ وَالتَّقْدِيرُ وألقى رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا. وَخَلْقُ الْأَنْهَارِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يسمى بالإلقاء فيقال: ألقى الله فِي الْأَرْضِ أَنْهَارًا كَمَا قَالَ: وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ [ق: 7] وَالْإِلْقَاءُ مَعْنَاهُ الْجَعْلُ أَلَا تَرَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها [فُصِّلَتْ: 10] وَالْإِلْقَاءُ يُقَارِبُ الْإِنْزَالَ، لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ يَدُلُّ عَلَى طَرْحِ الشَّيْءِ مِنَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَلِ، إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْإِلْقَاءِ الْجَعْلُ وَالْخَلْقُ قَالَ تَعَالَى: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي [طه: 39] .
البحث الثَّانِي: أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَنْهَارِ إِنَّمَا تَتَفَجَّرُ مَنَابِعُهَا فِي الْجِبَالِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْجِبَالَ أَتْبَعَ ذِكْرَهَا بِتَفْجِيرِ الْعُيُونِ وَالْأَنْهَارِ.
النِّعْمَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ: وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَهِيَ أَيْضًا مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ وَالتَّقْدِيرُ: وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ سُبُلًا وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَظْهَرَهَا وَبَيَّنَهَا لِأَجْلِ أَنْ تَهْتَدُوا بِهَا فِي أَسْفَارِكُمْ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا [طه: 53] وَقَوْلُهُ: لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ أَيْ لِكَيْ تَهْتَدُوا.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ أَظْهَرَ فِي الْأَرْضِ سُبُلًا مُعَيَّنَةً ذَكَرَ أَنَّهُ أَظْهَرَ فِيهَا عَلَامَاتٍ مخصوصة حيت يَتَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا فَيَصِلَ بِوَاسِطَتِهَا إِلَى مَقْصُودِهِ فَقَالَ: وَعَلاماتٍ وَهِيَ أَيْضًا مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ:
فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ وَالتَّقْدِيرُ: وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ وَأَلْقَى فِيهَا أَنْهَارًا وَسُبُلًا وَأَلْقَى فِيهَا عَلَامَاتٍ وَالْمُرَادُ بِالْعَلَامَاتِ مَعَالِمُ الطُّرُقِ وَهِيَ الْأَشْيَاءُ الَّتِي بِهَا يُهْتَدَى، وَهَذِهِ الْعَلَامَاتُ هِيَ الْجِبَالُ وَالرِّيَاحُ وَرَأَيْتُ جَمَاعَةً يَشُمُّونَ التُّرَابَ وَبِوَاسِطَةِ ذَلِكَ الشَّمِّ يَتَعَرَّفُونَ الطُّرُقَ. قَالَ الْأَخْفَشُ تَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَعَلاماتٍ وَقَوْلُهُ: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ كَلَامٌ مُنْفَصِلٌ عَنِ الْأَوَّلِ، وَالْمُرَادُ بِالنَّجْمِ الْجِنْسُ كَقَوْلِكَ: كَثُرَ الدِّرْهَمُ فِي أَيْدِي النَّاسِ. وَعَنِ السُّدِّيِّ هُوَ الثُّرَيَّا، وَالْفَرْقَدَانِ، وَبَنَاتُ نَعْشٍ، وَالْجَدْيُ، وَقَرَأَ الْحَسَنُ: وَبِالنَّجْمِ بِضَمَّتَيْنِ وَبِضَمَّةٍ فَسُكُونٍ، وَهُوَ جَمْعُ نَجْمٍ كَرَهْنٍ وَرُهُنٍ وَالسُّكُونُ تَخْفِيفٌ. وَقِيلَ: حُذِفَ الْوَاوُ مِنَ النَّجْمِ تَخْفِيفًا.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ: أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ خِطَابٌ الحاضرين وَقَوْلُهُ: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ خِطَابٌ لِلْغَائِبِينَ فَمَا السَّبَبُ فِيهِ؟
قُلْنَا: إِنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تُكْثِرُ أَسْفَارَهَا لِطَلَبِ الْمَالِ، وَمَنْ كَثُرَتْ أَسْفَارُهُ كَانَ عِلْمُهُ بِالْمَنَافِعِ الْحَاصِلَةِ مِنَ الِاهْتِدَاءِ بِالنُّجُومِ أَكْثَرَ وَأَتَمَّ فَقَوْلُهُ: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ إِشَارَةٌ إِلَى قُرَيْشٍ لِلسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ قَوْلُهُ: وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ مُخْتَصٌّ بِالْبَحْرِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا/ ذَكَرَ صِفَةَ الْبَحْرِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ بَيَّنَ أَنَّ مَنْ يَسِيرُونَ فِيهِ يَهْتَدُونَ بِالنَّجْمِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ يَدْخُلُ فِيهِ السَّيْرُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ أَعَمُّ فِي كَوْنِهِ نِعْمَةً وَلِأَنَّ الِاهْتِدَاءَ بِالنَّجْمِ قَدْ يَحْصُلُ فِي الْوَقْتَيْنِ مَعًا، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَجْعَلُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا عَمِيَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَدِلَّ بِالنُّجُومِ وَبِالْعَلَامَاتِ الَّتِي فِي الْأَرْضِ، وَهِيَ الْجِبَالُ وَالرِّيَاحُ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ، لِأَنَّهُ كَمَا يُمْكِنُ الِاهْتِدَاءُ بِهَذِهِ الْعَلَامَاتِ فِي

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 191
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست