responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 188
يَطْرَا طَرَاءً مَمْدُودًا وَطَرَاوَةً كَمَا يُقَالُ شَقَى يَشْقَى شَقَاءً وَشَقَاوَةً.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي ذِكْرِ الطَّرِيِّ مَزِيدَ فَائِدَةٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ السَّمَكُ كُلُّهُ مَالِحًا، لَمَا عُرِفَ بِهِ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يُعْرَفُ بِالطَّرِيِّ فَإِنَّهُ لَمَّا خَرَجَ مِنَ الْبَحْرِ الْمِلْحِ الزُّعَاقِ الْحَيَوَانُ الَّذِي لَحْمُهُ فِي غَايَةِ الْعُذُوبَةِ عُلِمَ أَنَّهُ إِنَّمَا حَدَثَ لَا بِحَسَبِ الطَّبِيعَةِ، بَلْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ حَيْثُ أَظْهَرَ الضِّدَّ مِنَ الضِّدِّ.
المسألة الثَّانِيَةُ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ فَأَكَلَ لَحْمَ السَّمَكِ لَا يَحْنَثُ قَالُوا: لِأَنَّ لَحْمَ السَّمَكِ لَيْسَ بِلَحْمٍ، وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّهُ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى كَوْنِهِ لَحْمًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلَيْسَ فَوْقَ بَيَانِ اللَّهِ بَيَانٌ. رُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمَّا قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ وَسَمِعَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْآيَةِ بَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلًا وَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ لَا يُصَلِّي عَلَى الْبِسَاطِ فَصَلَّى عَلَى الْأَرْضِ هَلْ يَحْنَثُ أَمْ لَا؟ قَالَ سُفْيَانُ: لَا يَحْنَثُ فَقَالَ السَّائِلُ: أَلَيْسَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً [نُوحٍ: 19] قَالَ فَعَرَفَ سُفْيَانُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِتَلْقِينِ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ، لِأَنَّ أَقْصَى مَا فِي الْبَابِ أَنَّا تَرَكْنَا الْعَمَلَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ فِي لَفْظِ الْبِسَاطِ لِلدَّلِيلِ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَلْزَمُنَا تَرْكُ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ فِي آيَةٍ أُخْرَى وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَمَّا حَلَفَ لَا يُصَلِّي عَلَى الْبِسَاطِ فَلَوْ أَدْخَلْنَا الْأَرْضَ تَحْتَ لَفْظِ الْبِسَاطِ لَزِمَنَا أَنْ نَمْنَعَهُ مِنَ الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ إِنْ صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ الْمَفْرُوشَةِ بِالْبِسَاطِ لَزِمَهُ الْحِنْثُ لَا مَحَالَةَ، وَلَوْ صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي لَا تَكُونُ مَفْرُوشَةً لَزِمَهُ الْحِنْثُ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُدْخِلَ الْأَرْضَ تَحْتَ لَفْظِ الْبِسَاطِ، فَهَذَا يَقْتَضِي مَنْعَهُ مِنَ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَدْخَلْنَا لَحْمَ السَّمَكِ تَحْتَ لَفْظِ اللَّحْمِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَنْعِهِ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَحْذُورٌ فَظَهَرَ الْفَرْقُ. الثَّانِي: أَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ عُرْفِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ وُقُوعَ اسْمِ الْبِسَاطِ عَلَى الْأَرْضِ الْخَالِصَةِ مَجَازٌ أَمَّا وُقُوعُ اسْمِ اللَّحْمِ عَلَى لَحْمِ السَّمَكِ فَلَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ مَجَازٌ، فَظَهَرَ الْفَرَقُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ: مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى الْعَادَةِ، وَعَادَةُ النَّاسِ إِذَا ذُكِرَ اللَّحْمُ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنْ لَا يُفْهَمَ مِنْهُ لَحْمُ السَّمَكِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِغُلَامِهِ اشْتَرِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ لَحْمًا فَجَاءَ بِالسَّمَكِ كَانَ حَقِيقًا بِالْإِنْكَارِ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّا رَأَيْنَاكُمْ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ تَارَةً تَعْتَبِرُونَ اللَّفْظَ وَتَارَةً تَعْتَبِرُونَ الْعُرْفَ، وَمَا رَأَيْنَاكُمْ ذَكَرْتُمْ ضَابِطًا بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إِذَا قَالَ لِغُلَامِهِ اشْتَرِ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ لَحْمًا فَجَاءَ بِلَحْمِ الْعُصْفُورِ كَانَ حَقِيقًا بِالْإِنْكَارِ عَلَيْهِ، مَعَ أَنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِ لَحْمِ الْعُصْفُورِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْعُرْفَ/ مُضْطَرِبٌ، وَالرُّجُوعُ إِلَى نَصِّ الْقُرْآنِ مُتَعَيِّنٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَنْفَعَةُ الثَّانِيَةُ: مِنْ مَنَافِعِ الْبَحْرِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَالْمُرَادُ بِالْحِلْيَةِ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ [الرَّحْمَنِ: 22] وَالْمُرَادُ: بِلُبْسِهِمْ لُبْسُ نِسَائِهِمْ لِأَنَّهُنَّ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَلِأَنَّ إِقْدَامَهُنَّ عَلَى التَّزَيُّنِ بِهَا إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَجْلِهِمْ فَكَأَنَّهَا زِينَتُهُمْ وَلِبَاسُهُمْ، وَرَأَيْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا تَمَسَّكُوا فِي مَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ
بِحَدِيثِ عُرْوَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ»
فَقُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفُ الرِّوَايَةِ وَبِتَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ لَفْظُ الْحُلِيِّ لَفْظٌ مُفْرَدٌ مُحَلَّى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 20  صفحه : 188
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست