responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 443
فَالْبَحْثُ بَاقٍ بَعْدُ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ الْوُصُولَ إِلَى اللَّذِيذِ بَعْدَ الْحِرْمَانِ أَلَذُّ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ فَهَذِهِ الْحَالَةُ غَيْرُ حَاصِلَةٍ إِلَّا لِلْبَشَرِ. الْحُجَّةُ الْعَاشِرَةُ: قَالُوا الرُّوحَانِيَّاتُ الْفَلَكِيَّةُ مَبَادِئُ لِرُوحَانِيَّاتِ هَذَا الْعَالَمِ وَمُعَادِلُهَا وَالْمَبْدَأُ أَشْرَفُ مِنْ ذِي الْمَبْدَأِ لِأَنَّ كُلَّ كَمَالٍ يَحْصُلُ لِذِي الْمَبْدَأِ فَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْمَبْدَأِ وَالْمُسْتَفِيدُ أَقَلُّ حَالًا مِنَ الْوَاجِبِ وَكَذَلِكَ الْمَعَادُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَشْرَفَ، فَعَالَمُ الرُّوحَانِيَّاتِ عَالِمُ الْكَمَالِ فَالْمَبْدَأُ مِنْهَا وَالْمَعَادُ إِلَيْهَا وَالْمَصْدَرُ عَنْهَا وَالْمَرْجِعُ إِلَيْهَا وَأَيْضًا فَإِنَّ الْأَرْوَاحَ إِنَّمَا نَزَلَتْ مِنْ عَالَمِهَا حَتَّى اتَّصَلَتْ بِالْأَبْدَانِ فَتَوَسَّخَتْ بِأَوْضَارِ الْأَجْسَامِ ثُمَّ تَطَهَّرَتْ عَنْهَا بِالْأَخْلَاقِ الزَّكِيَّةِ وَالْأَعْمَالِ الْمُرْضِيَةِ حَتَّى انْفَصَلَتْ عَنْهَا إِلَى عَالَمِهَا الْأَوَّلِ فَالنُّزُولُ هُوَ النَّشْأَةُ الْأُولَى وَالصُّعُودُ هُوَ النَّشْأَةُ الْأُخْرَى فَعُرِفَ أَنَّ الرُّوحَانِيَّاتِ أَشْرَفُ مِنَ الْأَشْخَاصِ الْبَشَرِيَّةِ. الِاعْتِرَاضُ:
هَذِهِ الْكَلِمَاتُ بَنَيْتُمُوهَا عَلَى نَفْيِ الْمَعَادِ وَنَفْيِ حَشْرِ الْأَجْسَادِ وَدُونَهُمَا خَرْطُ الْقَتَادِ. الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أَلَيْسَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمُ اتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَنْطِقُونَ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ إِلَّا بَعْدَ الْوَحْيِ فَهَذَا اعْتِرَافٌ بِأَنَّ عُلُومَهُمْ مُسْتَفَادَةٌ مِنْهُمْ أَلَيْسَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ هُمُ الَّذِينَ يُعِينُونَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ كَمَا فِي قَلْعِ مَدَائِنِ قَوْمِ لُوطٍ وَفِي يَوْمِ بَدْرٍ وَهُمُ الَّذِينَ يَهْدُونَهُمْ إِلَى مَصَالِحِهِمْ كَمَا فِي قِصَّةِ نُوحٍ فِي نَجْرِ السَّفِينَةِ فَإِذَا اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَكُمْ أَنْ فَضَّلْتُمُوهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ فَافْتِقَارُهُمْ إِلَيْهِمْ فِي كُلِّ الْأُمُورِ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: التَّقْسِيمُ الْعَقْلِيُّ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَحْيَاءَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ خَيِّرَةً مَحْضَةً أَوْ شِرِّيرَةً مَحْضَةً أَوْ تَكُونَ خَيِّرَةً مِنْ وَجْهِ شِرِّيرَةً مِنْ/ وَجْهٍ فَالْخَيْرُ الْمَحْضُ هُوَ النَّوْعُ الْمَلَكِيُّ وَالشِّرِّيرُ الْمَحْضُ هُوَ النَّوْعُ الشَّيْطَانِيُّ وَالْمُتَوَسِّطُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ هُوَ النَّوْعُ الْبَشَرِيُّ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ النَّاطِقُ الْمَائِتُ وَعَلَى جَانِبَيْهِ قِسْمَانِ آخَرَانِ:
أَحَدُهُمَا: النَّاطِقُ الَّذِي لَا يَكُونُ مِائَتَا وَهُوَ الْمَلَكُ: وَالْآخَرُ الْمَائِتُ الَّذِي لَا يَكُونُ نَاطِقًا وَهُمُ الْبَهَائِمُ فَقِسْمَةُ الْعَقْلِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَدْ دَلَّتْ عَلَى كَوْنِ الْبَشَرِ فِي الدَّرَجَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ مِنَ الْكَمَالِ وَالْمَلَكُ يَكُونُ فِي الطَّرَفِ الْأَقْصَى مِنَ الْكَمَالِ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْبَشَرَ أَفْضَلُ قَلْبٌ لِلْقِسْمَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَمُنَازَعَةٌ فِي تَرْتِيبِ الْوُجُودِ. الِاعْتِرَاضُ: إِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْفَضْلِ هُوَ كَثْرَةُ الثَّوَابِ فَلِمَ قُلْتُمْ إِنَّ الْمَلَكَ أَكْثَرُ ثَوَابًا فَهَذَا مُحَصِّلُ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْوُجُوهِ الْعَقْلِيَّةِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِفَضْلِ الأنبياء على الملائكة بأمور: أحدهما: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ الْمَلَائِكَةِ بِالسُّجُودِ لِآدَمَ وَثَبَتَ أَنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ كَالْقِبْلَةِ بَلْ كَانَتِ السَّجْدَةُ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ آدَمُ أَفْضَلَ مِنْهُمْ لِأَنَّ السُّجُودَ نِهَايَةُ التَّوَاضُعِ وَتَكْلِيفُ الْأَشْرَفِ بِنِهَايَةِ التَّوَاضُعِ لِلْأَدْوَنِ مُسْتَقْبَحٌ فِي الْعُقُولِ فَإِنَّهُ يَقْبُحُ أَنْ يُؤْمَرَ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنْ يَخْدِمَ أَقَلَّ النَّاسِ بِضَاعَةً فِي الْفِقْهِ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. وَثَانِيهَا:
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَلِيفَةً لَهُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ خِلَافَةُ الولاية لقوله تعالى: يَا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ [ص: 26] وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَعْلَى النَّاسِ مَنْصِبًا عِنْدَ الْمَلِكِ مَنْ كَانَ قَائِمًا مَقَامَهُ فِي الْوِلَايَةِ وَالتَّصَرُّفِ، وَكَانَ خَلِيفَةً لَهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَشْرَفَ الْخَلَائِقِ وَهَذَا مُتَأَكِّدٌ بِقَوْلِهِ:
وسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ [الحج: 65] ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا التَّعْمِيمَ بِقَوْلِهِ: خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [الْبَقَرَةِ: 29] فَبَلَغَ آدَمُ فِي مَنْصِبِ الْخِلَافَةِ إِلَى أَعْلَى الدَّرَجَاتِ فَالدُّنْيَا خُلِقَتْ مُتْعَةً لِبَقَائِهِ وَالْآخِرَةُ مَمْلَكَةٌ لِجَزَائِهِ وَصَارَتِ الشَّيَاطِينُ مُلْعُونِينَ بِسَبَبِ التَّكَبُّرِ عَلَيْهِ وَالْجِنُّ رَعِيَّتُهُ وَالْمَلَائِكَةُ فِي طَاعَتِهِ وَسُجُودِهِ وَالتَّوَاضُعِ لَهُ ثُمَّ صَارَ بَعْضُهُمْ حَافِظِينَ لَهُ وَلِذُرِّيَّتِهِ وَبَعْضُهُمْ مُنْزِلِينَ لِرِزْقِهِ وَبَعْضُهُمْ مُسْتَغْفِرِينَ لِزَلَّاتِهِ ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ مَعَ هَذِهِ الْمَنَاصِبِ الْعَالِيَةِ: وَلَدَيْنا مَزِيدٌ [ق: 35] فَإِذَنْ لَا غَايَةَ لِهَذَا الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ. وَثَالِثُهَا: أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَعْلَمَ وَالْأَعْلَمُ أَفْضَلُ، أَمَّا إِنَّهُ أَعْلَمُ فَلِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا طَلَبَ مِنْهُمْ عِلْمَ الْأَسْمَاءِ: قالُوا سُبْحانَكَ لَا عِلْمَ لَنا إِلَّا

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 443
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست