responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 437
لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ عَدَمَ الْتِفَاتِ الْبَشَرِ إِلَى الْمَطَاعِمِ وَالْمَنَاكِحِ أَقَلُّ مِنْ عَدَمِ الْتِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ إِلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، لَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ إن ذلك يوجب بالمزيد فِي الْفَضْلِ بِمَعْنَى كَثْرَةِ الثَّوَابِ؟ فَإِنْ تَمَسَّكُوا بِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ أَقَلَّ مَعْصِيَةً وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ، فَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ. الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا [الْإِسْرَاءِ: 70] وَمَخْلُوقَاتُ اللَّهِ تَعَالَى إِمَّا الْمُكَلَّفُونَ أَوْ مَنْ عَدَاهُمْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُكَلَّفِينَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ، أَمَّا الْمُكَلَّفُونَ فَهُمْ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ الْمَلَائِكَةُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِنْسَ أَفْضَلُ مِنَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ، فَلَوْ كَانَ أَفْضَلَ مِنَ الْمَلَكِ أَيْضًا لَزِمَ حينئذٍ أَنْ يَكُونَ الْبَشَرُ أَفْضَلَ مِنْ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا [الْإِسْرَاءِ: 70] فَائِدَةٌ: بَلْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى جَمِيعِ مَنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا، وَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ مِنَ الْبَشَرِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ حَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ تَمَسُّكٌ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ، لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ أَفْضَلَ مِنَ الْبَاقِي إِلَّا بِوَاسِطَةِ دَلِيلِ الْخِطَابِ، وَأَيْضًا فَهَبْ أَنَّ جِنْسَ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ بَنِي آدَمَ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَحَدِ الْمَجْمُوعَيْنِ أَفْضَلَ مِنَ الْمَجْمُوعِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمَجْمُوعِ الْأَوَّلِ أَفْضَلَ مِنَ الْمَجْمُوعِ الثَّانِي، فَإِنَّا إِذَا قَدَّرْنَا عَشَرَةً مِنَ الْعَبِيدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُسَاوِي مِائَةَ دِينَارٍ، وَعَشَرَةً أُخْرَى حَصَلَ فِيهِمْ عَبْدٌ يُسَاوِي مِائَتَيْ دِينَارٍ وَالتِّسْعَةُ الْبَاقِيَةُ يُسَاوِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِينَارًا. فَالْمَجْمُوعُ الْأَوَّلُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَجْمُوعِ الثَّانِي، إِلَّا أَنَّهُ حَصَلَ فِي الْمَجْمُوعِ الثَّانِي وَاحِدٌ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْمَجْمُوعِ الأول، فكذا هاهنا وأيضاً فقوله: وَفَضَّلْناهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ، وَفَضَّلْنَاهُمْ فِي الْكَرَامَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْآيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الْكَرَامَةِ حُسْنَ الصُّورَةِ وَمَزِيدَ الذَّكَاءِ وَالْقُدْرَةَ عَلَى الْأَعْمَالِ الْعَجِيبَةِ وَالْمُبَالَغَةَ فِي النَّظَافَةِ وَالطَّهَارَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَلَكَ أَزْيَدُ مِنَ الْبَشَرِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ وَلَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ إِنَّ الْمَلَكَ أَكْثَرُ ثَوَابًا مِنَ الْبَشَرِ، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها [لُقْمَانَ: 10] لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَمَدٌ غَيْرُ مَرْئِيٍّ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لَا بُرْهانَ لَهُ بِهِ [الْمُؤْمِنُونَ: 117] يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ إِلَهٌ آخَرُ لَهُ بُرْهَانٌ فَكَذَلِكَ هاهنا، الْحُجَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مَا اسْتَغْفَرُوا لِأَحَدٍ إِلَّا بَدَءُوا بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ آدَمُ: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الْأَعْرَافِ: 23] وَقَالَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً [نُوحٍ: 28] وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ [إبراهيم: 41] وَقَالَ: رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [الشُّعَرَاءِ: 83] وَقَالَ مُوسَى: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي [الْأَعْرَافِ: 151] وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [مُحَمَّدٍ: 19] وَقَالَ: لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الْفَتْحِ: 2] أَمَّا الْمَلَائِكَةُ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَلَكِنَّهُمْ طَلَبُوا الْمَغْفِرَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ من البشر يدل عليه تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ [غَافِرٍ: 7] وَقَالَ: وَيَسْتَغْفِرُونَ/ لِلَّذِينَ آمَنُوا لو كَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ لَبَدَءُوا فِي ذَلِكَ بِأَنْفُسِهِمْ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنِ النَّفْسِ مُقَدَّمٌ عَلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْغَيْرِ،
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ»
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ مِنَ الْبَشَرِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْوَجْهُ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُمُ الزلة ألبتة وأن البشر قد صردت الزَّلَّاتُ عَنْهُمْ، لَكِنَّا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي ذَلِكَ لَا يُوجِبُ التَّفَاوُتَ فِي الْفَضِيلَةِ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ إِنَّ اسْتِغْفَارَهُمْ لِلْبَشَرِ كَالْعُذْرِ عَمَّنْ طَعَنُوا فِيهِمْ بِقَوْلِهِمْ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها [البقرة: 30] الْحُجَّةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 437
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست