responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 434
تَحَقُّقُ التَّقْوَى فِي حَقِّهِمْ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ: أَنَّ تَرْتِيبَ الْكَرَامَةِ عَلَى التَّقْوَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَامَةَ مُعَلَّلَةٌ بِالتَّقْوَى فَحَيْثُ كَانَتِ التَّقْوَى أَكْثَرَ كَانَتِ الْكَرَامَةُ أَكْثَرَ. وَعَنِ الثَّانِي: لَا نُسَلِّمُ عَدَمَ الشَّهْوَةِ فِي حَقِّهِمْ لَكِنْ لَا شَهْوَةَ لَهُمْ إِلَى الْأَكْلِ وَالْمُبَاشَرَةِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ شَهْوَةٍ مُعَيَّنَةٍ عَدَمُ مُطْلَقِ الشَّهْوَةِ بَلْ لَهُمْ شَهْوَةُ التَّقَدُّمِ وَالتَّرَفُّعِ وَلِهَذَا قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ [الْأَنْبِيَاءِ: 29] وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْتُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ يَحْيَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ أَتْقَى مِنْ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ زِيَادَةِ التَّقْوَى زِيَادَةُ الْفَضْلِ وَتَحْقِيقُهُ مَا قَدَّمْنَا أَنَّ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنْ يَكُونَ إِنْسَانٌ لَمْ تَصْدُرْ عَنْهُ الْمَعْصِيَةُ قَطُّ وَصَدَرَ عَنْهُ مِنَ الطَّاعَاتِ مَا اسْتَحَقَّ بِهِ مِائَةَ جُزْءٍ مِنَ الثَّوَابِ وَإِنْسَانٌ آخَرُ صَدَرَتْ عَنْهُ مَعْصِيَةٌ ثُمَّ أَتَى بِطَاعَةٍ اسْتَحَقَّ بِهَا أَلْفَ جُزْءٍ مِنَ الثَّوَابِ فَيُقَابَلُ مِائَةُ جُزْءٍ مِنَ الثَّوَابِ بِمِائَةِ جُزْءٍ مِنَ الْعِقَابِ فَيَبْقَى لَهُ تِسْعُمِائَةِ جُزْءٍ مِنَ الثَّوَابِ فَهَذَا الْإِنْسَانُ مَعَ صُدُورِ الْمَعْصِيَةِ مِنْهُ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الْإِنْسَانِ الَّذِي لَمْ تَصْدُرِ الْمَعْصِيَةُ عَنْهُ قَطُّ وَأَيْضًا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَقْوَى الْمَلَائِكَةِ أَشَدُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّقْوَى مُشْتَقٌّ مِنَ الْوِقَايَةِ وَالْمُقْتَضِي لِلْمَعْصِيَةِ فِي حَقِّ بَنِي آدَمَ أَكْثَرُ فَكَانَ تَقْوَى الْمُتَّقِينَ مِنْهُمْ أَكْثَرَ، قَوْلُهُ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَهُمْ شَهْوَةُ الرياسة قلنا: هذا لا يضرنا وذلك لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهْوَةَ حَاصِلَةٌ لِلْبَشَرِ أَيْضًا وَقَدْ حَصَلَتْ لَهُمْ أَنْوَاعٌ أُخَرُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَهِيَ شَهْوَةُ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتِ الشَّهَوَاتُ الصَّارِفَةُ عَنِ الطَّاعَاتِ أَكْثَرَ فِي بَنِي آدَمَ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ تَقْوَى الْمُتَّقِينَ مِنْهُمْ أشد. وسابعها: قوله تعالى: نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
[النِّسَاءِ: 172] وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ قَوْلَهُ تعالى: لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
خَرَجَ مَخْرَجَ التَّأْكِيدِ لِلْأَوَّلِ وَمِثْلُ هَذَا التَّأْكِيدِ إِنَّمَا يَكُونُ بِذِكْرِ الْأَفْضَلِ يُقَالُ هَذِهِ الْخَشَبَةُ لَا يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِهَا الْعَشَرَةُ وَلَا الْمِائَةُ وَلَا يُقَالُ لَا يَقْدِرُ عَلَى حَمْلِهَا الْعَشَرَةُ وَلَا الْوَاحِدُ وَيُقَالُ هَذَا الْعَالِمُ لَا يَسْتَنْكِفُ عَنْ خِدْمَتِهِ الْوَزِيرُ وَلَا الْمَلِكُ وَلَا يُقَالُ لَا يَسْتَنْكِفُ عَنْ خِدْمَتِهِ الْوَزِيرُ وَلَا الْبَوَّابُ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الْآيَةُ إن دَلَّتْ فَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى فَضْلِ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ عَلَى الْمَسِيحِ/ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ فَضْلُ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ عَلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسِيحِ وَهُوَ مُحَمَّدٌ وَمُوسَى وَإِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ والسلام وبالجملة فلو ثبت لهم أَنَّ الْمَسِيحَ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ الْأَنْبِيَاءِ كَانَ مَقْصُودُهُمْ حَاصِلًا فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُقِيمُوا الدَّلَالَةَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُمْ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَا رَأَيْنَا أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَطَعَ بِفَضْلِ الْمَسِيحِ عَلَى مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ثُمَّ نَقُولُ قَوْلُهُ: «وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ» لَيْسَ فِيهِ إِلَّا وَاوُ الْعَطْفِ وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ الْمُطْلَقِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَسِيحَ لَا يَسْتَنْكِفُ وَالْمَلَائِكَةَ لَا يَسْتَنْكِفُونَ فَأَمَّا أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسِيحِ فَلَا، وَأَمَّا الْأَمْثِلَةُ الَّتِي ذَكَرُوهَا فَنَقُولُ الْمِثَالُ لَا يَكْفِي فِي إثبات الدعوى الكلية ثم إن ذلك الْمِثَالَ مُعَارَضٌ بِأَمْثِلَةٍ أُخْرَى وَهُوَ قَوْلُهُ: مَا أَعَانَنِي عَلَى هَذَا الْأَمْرِ زَيْدٌ وَلَا عَمْرٌو فَهَذَا لَا يُفِيدُ كَوْنَ عَمْرٍو أَفْضَلَ مِنْ زَيْدٍ وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ [الْمَائِدَةِ: 2] وَلَمَّا اخْتَلَفَتِ الْأَمْثِلَةُ امْتَنَعَ التَّعْوِيلُ عَلَيْهَا ثُمَّ التَّحْقِيقُ أَنَّهُ إِذَا قَالَ هَذِهِ الْخَشَبَةُ لَا يَقْدِرُ على حملها الواحد ولا العشرة فنحن نعلم بِعُقُولِنَا أَنَّ الْعَشَرَةَ أَقْوَى مِنَ الْوَاحِدِ فَلَا جَرَمَ عَرَفْنَا أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذِكْرِ الثَّانِي الْمُبَالَغَةُ فَهَذِهِ الْمُبَالَغَةُ إِنَّمَا عَرَفْنَاهَا بِهَذَا الطَّرِيقِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ اللَّفْظِ فَهَهُنَا فِي الْآيَةِ إِنَّمَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَعْرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قوله: لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
بَيَانُ الْمُبَالِغَةِ لَوْ عَرَفْنَا قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ الْمُقَرَّبِينَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسِيحِ وَحِينَئِذٍ تَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ثُبُوتِ الْمَطْلُوبِ قَبْلَ هَذَا الدَّلِيلِ وَيَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ
الْمَطْلُوبِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 434
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست