responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 432
تَهْيِئَتِهَا لَهُ أَشَقُّ، وَلَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا أَنَّ أَسْبَابَ الْبَلَاءِ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى الْبَشَرِ ثُمَّ إِنَّهُمْ مَعَ اجْتِمَاعِهَا عَلَيْهِمْ يَرْضَوْنَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَلَا تُغَيُّرُهُمْ تِلْكَ الْمِحَنُ وَالْآفَاتُ عَنِ الْخُشُوعِ لَهُ وَالْمُوَاظَبَةِ عَلَى عُبُودِيَّتِهِ، وَذَلِكَ أَدْخَلُ فِي الْعُبُودِيَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَدَمَ وَالْعَبِيدَ تَطِيبُ قُلُوبُهُمْ بِالْخِدْمَةِ حَالَ مَا يَجِدُونَ مِنَ النِّعَمِ وَالرَّفَاهِيَةِ وَلَا يَصْبِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ حَالَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْخِدْمَةِ إِلَّا مَنْ كَانَ فِي نِهَايَةِ الْإِخْلَاصِ فَمَا ذَكَرُوهُ بِالْعَكْسِ أَوْلَى، أَمَّا قَوْلُهُ: وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ مِنَ الْعِبَادَةِ شَاقٌّ، قُلْنَا: هَذَا مُعَارَضٌ بِوَجْهٍ آخَرَ/ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمَّا اعْتَادُوا نَوْعًا وَاحِدًا مِنَ الْعِبَادَةِ صَارُوا كَالْمَجْبُورِينَ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي لَا يَقْدِرُونَ عَلَى خِلَافِهِ عَلَى مَا قِيلَ: الْعَادَةُ طَبِيعَةٌ خَامِسَةٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ النَّوْعُ فِي نِهَايَةِ السُّهُولَةِ عَلَيْهِمْ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ
وَقَالَ: «أَفْضَلُ الصَّوْمِ صَوْمُ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ»
وَهُوَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا وَيُفْطِرَ يَوْمًا. وَثَالِثُهَا: قَالُوا: عِبَادَاتُ الْمَلَائِكَةِ أَدْوَمُ فَكَانَتْ أَفْضَلَ بَيَانُ أَنَّهَا أَدْوَمُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ [الْأَنْبِيَاءِ: 20] وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتْ أَعْمَارُهُمْ مُسَاوِيَةً لِأَعْمَارِ الْبَشَرِ لَكَانَتْ طَاعَاتُهُمْ أَدْوَمَ وَأَكْثَرَ فَكَيْفَ وَلَا نِسْبَةَ لَعُمْرِ كُلِّ الْبَشَرِ إِلَى عُمَرِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ وَعَلَى هَذِهِ الْآيَةِ سُؤَالٌ: رُوِيَ فِي «شُعَبِ الْإِيمَانِ» عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ:
قُلْتُ لِكَعْبٍ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ ثُمَّ قَالَ: جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا [فَاطِرٍ: 1] أَفَلَا تَكُونُ الرِّسَالَةُ مَانِعَةً لَهُمْ عَنْ هَذَا التَّسْبِيحِ؟ وَأَيْضًا قَالَ: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [الْبَقَرَةِ: 161] فَكَيْفَ يَكُونُونَ مُشْتَغِلِينَ بِاللَّعْنِ حَالَ اشْتِغَالِهِمْ بِالتَّسْبِيحِ؟ أَجَابَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ فَقَالَ: التَّسْبِيحُ لَهُمْ كَالتَّنَفُّسِ لَنَا فَكَمَا أَنَّ اشْتِغَالَنَا بالتنفس لا يمنعنا من الكلام فكذلك اشْتِغَالُهُمْ بِالتَّسْبِيحِ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ. وَأَقُولُ: لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الِاشْتِغَالُ بِالتَّنَفُّسِ إِنَّمَا لَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْكَلَامِ لِأَنَّ آلَةَ التَّنَفُّسِ غَيْرُ آلَةِ الْكَلَامِ أَمَّا اللَّعْنُ وَالتَّسْبِيحُ فَهُمَا مِنْ جِنْسِ الْكَلَامِ فَاجْتِمَاعُهُمَا فِي الْآيَةِ الْوَاحِدَةِ مُحَالٌ. وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ:
أَيُّ اسْتِبْعَادٍ فِي أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى لهم ألسنة كَثِيرَةً يُسَبِّحُونَ اللَّهَ تَعَالَى بِبَعْضِهَا وَيَلْعَنُونَ أَعْدَاءَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَعْضِ الْآخَرِ. وَالْجَوَابُ الثَّانِي: اللَّعْنُ هُوَ الطَّرْدُ وَالتَّبْعِيدُ، وَالتَّسْبِيحُ هُوَ الْخَوْضُ فِي ثَنَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا شَكَّ أَنَّ ثَنَاءَ اللَّهِ يَسْتَلْزِمُ تَبْعِيدَ مَنِ اعْتَقَدَ فِي اللَّهِ مَا لَا يَنْبَغِي فَكَانَ ذَلِكَ اللَّعْنُ مِنْ لوازمه. والجواب الثالث: قوله: لا يَفْتُرُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يَفْتُرُونَ عَنِ الْعَزْمِ عَلَى أَدَائِهِ فِي أَوْقَاتِهِ اللَّائِقَةِ بِهِ كَمَا يُقَالُ إِنَّ فُلَانًا مُوَاظِبٌ عَلَى الْجَمَاعَاتِ لَا يَفْتُرُ عَنْهَا لَا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ أَبَدًا مُشْتَغِلٌ بِهَا بَلْ يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ مُوَاظِبٌ عَلَى الْعَزْمِ أَبَدًا عَلَى أَدَائِهَا فِي أَوْقَاتِهَا وَإِذَا ثبت أن عباداتهم أَدَوْمُ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ أَفْضَلَ. أَمَّا أَوَّلًا: فَلِأَنَّ الْأَدْوَمَ أَشَقُّ فَيَكُونُ أَفْضَلَ عَلَى مَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْحُجَّةِ الثَّانِيَةِ. وَأَمَا ثَانِيًا:
فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «أَفْضَلُ الْعِبَادِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ»
وَالْمَلَائِكَةُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَطْوَلُ الْعِبَادِ أَعْمَارًا وَأَحْسَنُهُمْ أَعْمَالًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا أَفْضَلَ الْعِبَادِ
وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ: «الشَّيْخُ فِي قَوْمِهِ كَالنَّبِيِّ فِي أُمَّتِهِ»
وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونُوا فِي الْبَشَرِ كَالنَّبِيِّ فِي الْأُمَّةِ وَذَلِكَ يُوجِبُ فَضْلَهُمْ عَلَى الْبَشَرِ. وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَذَا لُقْمَانُ وَكَذَا الْخَضِرُ كَانُوا أَطْوَلَ عُمْرًا مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونُوا أَفْضَلَ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ وَقَدْ نَجِدُ فِي الْأُمَّةِ مَنْ هُوَ أَطْوَلُ عُمْرًا وَأَشَدُّ اجْتِهَادًا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِنْهُ أَبْعَدُ فِي الدَّرَجَةِ مِنَ الْعَرْشِ إِلَى مَا تَحْتَ الثَّرَى. وَالتَّحْقِيقُ فِيهِ مَا بَيَّنَّا أَنَّ كَثْرَةَ الثَّوَابِ إِنَّمَا تَحْصُلُ لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إِلَى الدَّوَاعِي وَالْقُصُودِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الطَّاعَةُ الْقَلِيلَةُ تَقَعُ مِنَ الْإِنْسَانِ عَلَى وَجْهٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا ثَوَابًا كَثِيرًا وَالطَّاعَاتِ الْكَثِيرَةَ تَقَعُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَسْتَحِقُّ بِهَا/ إِلَّا ثَوَابًا قَلِيلًا. وَرَابِعُهَا: أَنَّهُمْ أَسْبَقُ السَّابِقِينَ فِي كُلِّ الْعِبَادَاتِ، لَا خَصْلَةَ مِنْ خِصَالِ الدِّينِ إِلَّا وَهُمْ أَئِمَّةٌ مُقَدَّمُونَ فِيهَا بَلْ هُمُ الْمُنْشِئُونَ الْعَامِرُونَ لِطُرُقِ الدِّينِ وَالسَّبْقُ فِي العبادة

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 432
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست