responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 430
الْحَدِيثِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ ذَلِكَ الْوَاحِدِ لَمْ يَجُزْ إِجْرَاءُ حُكْمِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: قَالُوا لَوْ لَمْ يَكُنْ إِبْلِيسُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَمَا كَانَ قَوْلُهُ: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ مُتَنَاوِلًا لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَنَاوِلًا لَهُ لَاسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ لِلسُّجُودِ إِبَاءً وَاسْتِكْبَارًا وَمَعْصِيَةً وَلَمَا اسْتَحَقَّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ، وَحَيْثُ حَصَلَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ عَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْخِطَابَ يَتَنَاوَلُهُ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ ذَلِكَ الْخِطَابُ إِلَّا إِذَا كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، لَا يُقَالُ إِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا أَنَّهُ نَشَأَ مَعَهُمْ وَطَالَتْ مُخَالَطَتُهُ بِهِمْ وَالْتَصَقَ بِهِمْ، فَلَا جَرَمَ يَتَنَاوَلُهُ ذَلِكَ الْخِطَابُ وَأَيْضًا فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ فِي هَذَا الْأَمْرِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِالسُّجُودِ بِلَفْظٍ آخَرَ مَا حَكَاهُ فِي الْقُرْآنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ لِأَنَّا نَقُولُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُخَالَطَةَ لَا تُوجِبُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ، وَلِهَذَا قُلْنَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إِنَّ خِطَابَ الذُّكُورِ لَا يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ وَبِالْعَكْسِ مَعَ شَدَّةِ الْمُخَالَطَةِ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ، وَأَيْضًا فَشِدَّةُ الْمُخَالَطَةِ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ وَبَيْنَ إِبْلِيسَ لَمَّا لَمْ تَمْنَعِ اقْتِصَارَ اللَّعْنِ عَلَى إِبْلِيسَ فَكَيْفَ تَمْنَعُ اقْتِصَارَ ذَلِكَ التَّكْلِيفِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَجَوَابُهُ أَنَّ تَرْتِيبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِالْعِلِّيَّةِ فَلَمَّا ذَكَرَ قَوْلَهُ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ عَقِيبَ قَوْلِهِ: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ أَشْعَرَ هَذَا التَّعْقِيبُ بِأَنَّ هَذَا الْإِبَاءَ إِنَّمَا حَصَلَ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ هَذَا الْأَمْرِ لَا بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ أَمْرٍ آخَرَ فَهَذَا مَا عِنْدِي فِي الْجَانِبَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ.
الْمَسْأَلَةُ الرابعة: [الكلام على أن آدم أفضل من الملائكة أو العكس] اعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّونَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْمَلَائِكَةِ بِسُجُودِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى أَنَّ آدَمَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَرَأَيْنَا أن نذكر هاهنا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَنَقُولُ: قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ: الْأَنْبِيَاءُ أَفْضَلُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ بَلِ الْمَلَائِكَةُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الشِّيعَةِ، وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنَّا وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ مِنْ/ فُقَهَائِنَا وَنَحْنُ نَذْكُرُ مُحَصِّلَ الْكَلَامِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ: أَمَّا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْبَشَرِ فَقَدِ احْتَجُّوا بِأُمُورٍ: أَحَدُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ [الْأَنْبِيَاءِ: 19] إِلَى قَوْلِهِ: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لَا يَفْتُرُونَ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِنْدِيَّةِ عِنْدِيَّةَ الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بَلْ عِنْدِيَّةُ الْقُرْبِ وَالشَّرَفِ وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَارِدَةً فِي صِفَةِ الْمَلَائِكَةِ عَلِمْنَا أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْقُرْبَةِ وَالشَّرَفِ حَاصِلٌ لَهُمْ لَا لِغَيْرِهِمْ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ هَذِهِ الْعِنْدِيَّةَ فِي الْآخِرَةِ لِآحَادِ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ قَوْلُهُ: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [الْقَمَرِ: 55] وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا
فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ حَاكِيًا عَنْهُ سُبْحَانَهُ: «أَنَا عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ لِأَجْلِي»
وَهَذَا أَكْثَرُ إِشْعَارًا بِالتَّعْظِيمِ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ وَمَا احْتَجُّوا بِهِ مِنَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَلَائِكَةَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ كَوْنَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْعَبْدِ أَدْخَلُ فِي التَّعْظِيمِ، مِنْ كَوْنِ الْعَبْدِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى احْتَجَّ بعد اسْتِكْبَارِهِمْ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُمْ وَجَبَ أَنْ لَا يَسْتَكْبِرُوا وَلَوْ كَانَ الْبَشَرُ أَفْضَلَ مِنْهُمْ لَمَا تَمَّ هَذَا الِاحْتِجَاجُ، فَإِنَّ السُّلْطَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُقَرِّرَ عَلَى رَعِيَّتِهِ وُجُوبَ طَاعَتِهِمْ لَهُ بقول: الْمُلُوكُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ طَاعَتِي، فَمَنْ هَؤُلَاءِ المساكين حتى يتمردوا عن طاعتي أو بالجملة فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَشَدُّ قُوَّةً وَقُدْرَةً مِنَ الْبَشَرِ، وَيَكْفِي فِي صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ هَذَا الْقَدْرُ مِنَ التَّفَاوُتِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ مَعَ شِدَّةِ قُوَّتِهِمْ وَاسْتِيلَائِهِمْ عَلَى أَجْرَامِ السموات وَالْأَرْضِ وَأَمْنِهِمْ مِنَ الْهَرَمِ وَالْمَرَضِ وَطُولِ أَعْمَارِهِمْ، لَا يَتْرُكُونَ الْعُبُودِيَّةَ لَحْظَةً وَاحِدَةً، وَالْبَشَرُ مَعَ نِهَايَةِ ضَعْفِهِمْ وَوُقُوعِهِمْ فِي أَسْرَعِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 430
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست