responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 417
فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً
[البقرة: 30] قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها قَالَ سُبْحَانَهُ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ فَأَجَابَهُمْ سُبْحَانَهُ بِكَوْنِهِ عَالِمًا فَلَمْ يَجْعَلْ سَائِرَ صِفَاتِ الْجَلَالِ مِنَ الْقُدْرَةِ. وَالْإِرَادَةِ، وَالسَّمْعِ، وَالْبَصَرِ، وَالْوُجُودِ، وَالْقِدَمِ، وَالِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ جَوَابًا لَهُمْ وَمُوجِبًا لِسُكُوتِهِمْ وَإِنَّمَا جَعَلَ صِفَةَ الْعِلْمِ جَوَابًا لَهُمْ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صِفَاتِ الْجَلَالِ وَالْكَمَالِ وَإِنْ كَانَتْ بِأَسْرِهَا فِي نِهَايَةِ الشَّرَفِ إِلَّا أَنَّ صِفَةَ الْعِلْمِ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهَا ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا أَظْهَرَ فَضْلَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْعِلْمِ وَذَلِكَ يَدُلُّ أَيْضًا على الْعِلْمَ أَشْرَفُ مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَظْهَرَ عِلْمَهُ جَعَلَهُ مَسْجُودَ الْمَلَائِكَةِ وَخَلِيفَةَ الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْمَنْقَبَةَ إِنَّمَا اسْتَحَقَّهَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْعِلْمِ ثُمَّ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ افْتَخَرَتْ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَالِافْتِخَارُ بِهِمَا إِنَّمَا يَحْصُلُ لَوْ كَانَا مَقْرُونَيْنِ بِالْعِلْمِ فَإِنَّهُمَا إِنْ حَصَلَا بِدُونِ الْعِلْمِ كَانَ ذَلِكَ نِفَاقًا وَالنِّفَاقُ أَخَسُّ الْمَرَاتِبِ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النِّسَاءِ: 145] أَوْ تَقْلِيدًا وَالتَّقْلِيدُ مَذْمُومٌ فَثَبَتَ أَنَّ تَسْبِيحَهُمْ وَتَقْدِيسَهُمْ إِنَّمَا صَارَ مُوجِبًا لِلِافْتِخَارِ بِبَرَكَةِ الْعِلْمِ. ثم إن آدم عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ/ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَلِأَجْلِ هَذَا الْخَطَأِ الْقَلِيلِ وَقَعَ فِيمَا وَقَعَ فِيهِ وَالشَّيْءُ كُلَّمَا كَانَ الْخَطَرُ فِيهِ أَكْثَرَ كَانَ أَشْرَفَ فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى غَايَةِ جَلَالَةِ الْعِلْمِ. ثُمَّ إِنَّهُ بِبَرَكَةِ جَلَالَةِ الْعِلْمِ لَمَّا تَابَ وَأَنَابَ وَتَرَكَ الْإِصْرَارَ وَالِاسْتِكْبَارَ وَجَدَ خُلْعَةَ الِاجْتِبَاءِ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَيْفَ اشْتَغَلَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ بِطَلَبِ الْعِلْمِ عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً [الْأَنْعَامِ: 76] ثُمَّ انْتَقَلَ مِنَ الْكَوَاكِبِ إِلَى الْقَمَرِ وَمِنَ الْقَمَرِ إِلَى الشَّمْسِ وَلَمْ يَزَلْ يَنْتَقِلُ بِفِكْرِهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَى شَيْءٍ إِلَى أَنْ وَصَلَ بِالدَّلِيلِ الزَّاهِرِ وَالْبُرْهَانِ الْبَاهِرِ إِلَى الْمَقْصُودِ وَأَعْرَضَ عَنِ الشِّرْكِ فَقَالَ: إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الْأَنْعَامِ: 79] فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ مَدَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَشْرَفِ الْمَدَائِحِ وَعَظَّمَهُ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ فَقَالَ تَارَةً: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الْأَنْعَامِ
: 75] وَقَالَ أُخْرَى: وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ [الْأَنْعَامِ: 83] ثُمَّ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَبْدَأِ اشْتَغَلَ بِمَعْرِفَةِ الْمَعَادِ فَقَالَ: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى [الْبَقَرَةِ: 260] ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّعَلُّمِ اشْتَغَلَ بِالتَّعْلِيمِ وَالْمُحَاجَّةِ تَارَةً مَعَ أَبِيهِ عَلَى مَا قَالَ: لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ
[مَرْيَمَ: 42] وَتَارَةً مَعَ قَوْمِهِ فَقَالَ: مَا هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ [الْأَنْبِيَاءِ: 52] وَأُخْرَى مَعَ مَلِكِ زَمَانِهِ فَقَالَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ [الْبَقَرَةِ: 258] وَانْظُرْ إِلَى صَالِحٍ وَهُودٍ وَشُعَيْبٍ كَيْفَ كَانَ اشْتِغَالُهُمْ فِي أَوَائِلِ أُمُورِهِمْ وَأَوَاخِرِهَا بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ وَإِرْشَادِ الْخَلْقِ إِلَى النَّظَرِ وَالتَّفَكُّرِ فِي الدَّلَائِلِ وَكَذَلِكَ أَحْوَالُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ فِرْعَوْنِ وَجُنُودِهِ وَوُجُوهُ دَلَائِلِهِ مَعَهُ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى حَالِ سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْعِلْمِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَقَالَ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى [الضُّحَى: 7- 8] فَقَدَّمَ الِامْتِنَانَ بِالْعِلْمِ عَلَى الِامْتِنَانِ بِالْمَالِ وَقَالَ أَيْضًا: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [الشُّورَى: 52] وَقَالَ: مَا كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا [هُودٍ: 49] ثُمَّ إِنَّهُ أَوَّلُ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ قَالَ: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [الْعَلَقِ: 1] ثُمَّ قَالَ: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
[النِّسَاءِ: 113]
وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ أَبَدًا يَقُولُ: أَرِنَا الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ.
فَلَوْ لَمْ يَظْهَرْ لِلْإِنْسَانِ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنَ الدَّلَائِلِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ شَرَفُ الْعِلْمِ لَاسْتَحَالَ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ شَيْءٌ أَصْلًا وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى الْعِلْمَ فِي كِتَابِهِ بِالْأَسْمَاءِ الشَّرِيفَةِ. فَمِنْهَا: الْحَيَاةُ أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [الْأَنْعَامِ: 122] . وَثَانِيهَا: الرُّوحُ وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشُّورَى: 52] ، وَثَالِثُهَا: النُّورُ اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النُّورِ: 35]

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 2  صفحه : 417
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست